حركة العدل والمساواة الثورية: قراءة تحليلية في النظام الأساسي الجديد (2020)
متابعات : سوداني بوست
مقدمة
منذ إستقلال السودان في يناير 1956، ظل الصراع على السلطة والثروة أحد أبرز أسباب عدم الاستقرار السياسي، وتفجر الحروب الأهلية، وتفاقم التهميش في الأطراف. في هذا السياق المأزوم، برزت حركة العدل والمساواة الثورية، التي أعادت في يوليو 2020 إصدار نظامها الأساسي الجديد، محاولةً ترسيخ مشروعها كقوة سياسية-عسكرية تسعى لإعادة صياغة معادلة الحكم في البلاد .
رؤية ومبادئ
النظام الأساسي يضع ملامح دولة مدنية ديمقراطية فيدرالية، قائمة على مبدأ المواطنة دون تمييز. ويؤكد على فصل الدين عن الدولة، وضمان الحريات الأساسية، وإقامة نظام انتخابي عادل يتيح التداول السلمي للسلطة.
هذه المبادئ تعكس رغبة الحركة في تجاوز نموذج الحكم المركزي الذي همّش الأقاليم لعقود، خاصة مناطق النزاع مثل دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق.
أهداف معلنة
حددت الوثيقة اثني عشر هدفاً استراتيجياً، أبرزها:
إعادة توزيع السلطة والثروة على أساس التمثيل السكاني والتمييز الإيجابي للمناطق المتضررة بالحرب.
محاكمة المتورطين في جرائم الحرب والفساد، واسترداد الأموال المنهوبة.
بناء نظام اتحادي (فيدرالي) يمنح الأقاليم سلطات واسعة، مع تمثيل عادل على المستوى القومي.
إعادة بناء القوات النظامية والخدمة المدنية وفق أسس مهنية وقومية، وإلغاء التعيينات القائمة على القبلية أو الولاءات السياسية.
رعاية حقوق الإنسان وضمان استقلال القضاء، ووقف القوانين المقيدة للحريات، لا سيما حرية الصحافة والنشر والتجمع.
وسائل وآليات
ترى الحركة أن التغيير “لن يتحقق إلا عبر الشعب”، وتتبنى وسائل متعددة لتحقيق أهدافها، منها:
استكمال عملية السلام عبر التفاوض والحوار السياسي.
العمل الإعلامي المكثف لتعريف الداخل والخارج بقضية الشعب السوداني.
الدبلوماسية النشطة مع القوى الإقليمية والدولية لكسب الدعم السياسي والمادي.
تنظيم العضوية داخل السودان وفي المهجر، وتعبئتها في خلايا ومؤسسات قاعدية.
الهيكل التنظيمي
النظام الأساسي يعيد صياغة هياكل الحركة عبر مؤسسات واضحة:
المؤتمر العام (أعلى سلطة) ينعقد كل أربع سنوات وينتخب الرئيس.
المجلس التشريعي الثوري يضع السياسات ويراقب المكتب التنفيذي.
المكتب القيادي يقدم المشورة ويدير الشؤون الاستراتيجية.
الأمانات التنفيذية (27 أمانة متخصصة) تعنى بالملفات السياسية، العسكرية، الإنسانية، الإعلامية، الاقتصادية، والتنموية .
قراءة تحليلية
النظام الأساسي الجديد يُظهر محاولة جادة لتحويل الحركة من تنظيم عسكري محض إلى كيان سياسي-مدني مؤسسي، مع خطاب يركز على الحريات، العدالة الانتقالية، والتنمية المتوازنة.
لكن التحديات تظل كبيرة، أبرزها:
إمكانية تنفيذ الفيدرالية في ظل مركزية الدولة السودانية وضعف البنية الدستورية.
ملف العدالة: كيف ستتم محاكمة المتورطين في الجرائم والانتهاكات في ظل هشاشة المؤسسات القضائية؟
العلاقة مع القوى السياسية الأخرى: هل ستتمكن الحركة من تجاوز عقلية “الإقصاء” لبناء تحالف وطني واسع؟
السؤال العسكري: كيف ستدمج قواتها ضمن القوات النظامية، وما الضمانات لعدم العودة للحرب؟
خاتمة
يبقى النظام الأساسي لحركة العدل والمساواة (2020) وثيقة مهمة تعكس تطور خطاب الحركات المسلحة في السودان من شعارات المقاومة إلى برامج سياسية وتنظيمية أكثر تفصيلاً. غير أن نجاحها مرهون بقدرتها على المواءمة بين الطموحات المعلنة والواقع السياسي المعقد، وبمدى استعدادها للانخراط في تسوية وطنية شاملة تضع حداً لدائرة الحرب والتهميش.