” صالون وادي النيل ”
ملتقى السرد العربي الدائم بالقاهرة
بدر الدين العتَّاق
الفكرة والنشأة
بدأت فكرة إقامة ليلة أو ليالي سودانية بملتقى السرد العربي الدائم بالقاهرة أسوة ببقية ليالي الوطن العربي في المجال الثقافي تحديداً، من سعادة الأستاذ الدكتور / حسام عقل، رئيس الملتقي والأديب وأستاذ النقد العربي في الجامعات المصرية، عندما طرح هذه الفكرة على الأستاذة الروائية فدوى سعد أحمد يوسف ، قبل عُدَّة أعوام إلَّا أنَّ الله لم يشأ أنْ تُكَلَّلَ تلك الفكرة بالنجاح لأسباب، حتى اتصلت بي في يوم ١٤ / ٩ / ٢٠٢٤ الأستاذة الروائية فدوى سعد، لتعرض عليَّ تفعيل هذه الفكرة بالتنسيق مع سعادة الدكتور حسام عقل.
بعد مرور شهر تقريباً ، أي بتاريخ 28 / ١0 / ٢٠٢٤ استمعت إلى سعادة الدكتور حسام عقل، في محاضرة بالملتقى لمناقشة رواية من إحدى الكاتبات المصريات، لتقييم الوضع ومن ثَمَّ مناقشة الفكرة مع إدارة الملتقى.
بعد أقل من شهر تم افتتاح أولى الليالي السودانية في ملتقى السرد العربي 17 / 11 / 2025 بمناقشة كتابي ( المعارك السياسية في التاريخ الإسلامي – صراع الدين والدولة ) بحضور نفر غفير كريم من الجاليات العربية المداومة على حضور الملتقى وبالتحديد الجالية السودانية المهتمة بالأدب والثقافة والعلوم الإنسانية بعامة.
فيما بعد، أطلق الأستاذ الدكتور حسام عقل، على الليالي السودانية اسم ( صالون وادي النيل) اختصاراً وتعبيراً عميقاً أصيلاً للعلاقات التاريخية المتجذرة والمتبحرة بين البلدين الشقيقين مصر والسودان، ومن ثَمَّ انطلقت المناقشات الأدبية والفكرية والفنية والسياسية والعلمية وخلافه تحت لافتة ( صالون وادي النيل).
الجدير بالذكر أنني كنت المسؤول عن الصالون بالتنسيق والتعاون مع الأستاذة فدوى سعد ، في إدارة الصالون تحت إدارة وإشراف الملتقى وأمينها العام الأستاذة عزة عز الدين، الكاتبة المعروفة في الوسط الثقافي المصري والعربي.
تطور فعاليات الصالون
استمرت الندوات والمحاضرات والمناقشات لمُدَّة عام كامل في أكثر من موضوع لأكثر من كاتب في شتى المجالات الحياتية العلمية التي تعكس العقل الجمعي السوداني للعالم العربي تحديداً ومن ثم المجتمع البشري بعامة والتي بلغت أكثر من خمسة عشر ندوة حول مختلف المواضيع التي تبرز الكاتب السوداني ومؤلفه للمتلقي العربي والعالمي بمعدل أمسية كل شهر تقريباً.
أثر الصالون على الثقافة بعامَّة
لا شك عندي مطلقاً أنَّ نجاح هذا الصالون لم يكن من طرف واحد بل الجميع مشتركون فيه بصورة من الصور، والذي بلغت سمعته الآفاق بكل ما تحمله الكلمة من معنى، بفضل الله ثم بفضل الشركاء من الكُتَّاب وقبيلة المثقفين السودانيين كافة ، وكذلك الإخوة المصريين خاصة ، الذين فتحوا لنا أيديهم وقلوبهم لنشر وعكس الموروث الثقافي السوداني والأدبي والفكري للعالم ، فأخذت الثقافة السودانية مكانها الريادي والطبيعي في العقل الجمعي العربي والعالمي بلا منازع بانتشار توثيق كل الندوات والمحاضرات التي اقيمت بالملتقي ونشرها عبر الميديا والإعلام المختلف.
في القديم، العلاقات الثنائية بين البلدين الشقيقين في المجال الثقافي بالذات، لم تكن بهذا الكم الهائل من الانتشار والذيوع لأسباب التقدم العلمي أو تأخره في باب الإعلام ، لكن بحكم الوقت، وبحكم التقنية الحديثة في مجال التكنولوجيا الرقمية العالمية الحديثة، أصبح نقل المعلومة من السهولة بمكان، ثم التوثيق لها عبر التقارير الصحافية والمصورة بالفيديو والصور الخ، يشكل أكثر سهولة ويسراً في تداولها وتناولها ، وليس كما كان عهد زيارة عملاق الأدب العربي الأستاذ الكبير عباس محمود العقاد، إلى السودان بداية اربعينيات القرن العشرين، والتي لم تجد حظها من الذيوع والانتشار الإعلامي آنذاك كما ينبغي رغم حفظ الذاكرة السودانية لهذه الزيارة التاريخية الأهم خلال المائة عام الأخيرة، ذلك لمقام الرجل في الوسط الأدبي والفكري والتأليف بعامة بحيث لا يمكن تخطيه بحال من الأحوال.
من هذا الملتقى، ومن هذا الصالون الثقافي، اتجهت عيون الإعلام العربي والعالمي والمصري بالذات إلى نشاط وفعاليات الجالية السودانية المثقفة واهميتها في الحراك الثقافي والأدبي بعامة ، لما أظهرته للناس في ثوب قشيب لتغيير العقل الفكري في الوطن العربي والعالمي على السواء في أغلب المجالات الحياتية ، من حال إلى أحسن حال ، بفضل الله ثم بفضل أصالة المثقف السوداني الذي لم يجد حظه في الذيوع والانتشار كما هو الآن بلا شك.
الإعلام المصري والصالون
أغلب اللذين نوقشت أعمالهم على يد النَطَّاس الفذ البارع العالِم الثقة الثَبْت الأستاذ الدكتور حسام عقل، تناولهم الإعلام المصري المسموع والمقروء والمشاهد عبر الحوارات واللقاءات الصحافية والمشاهدة والمسموعة بماسبيرو / الإذاعة والتلفزيون المصري / تحديداً وخلافه ، وكانت معهم لقاءات من بعد في كل المحافل الدولية التي أقيمت في مصر، ودعني أشرح أكثر، في كل المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والفنية والفكرية والأدبية والعلمية والشخصية بلا مبالغة ولا مغالاة ولا مجاملة .
لكن أخص بالذكر الناحية الثقافية والأدبية والفكرية التي اسهمت بشكل كبير وملحوظ على تعميق أواصر العلاقات بين البلدين الشقيقين وسلطت الضوء علي جانب ما كان له أن يظهر لولا فضل الله ثم بفضل القائمين على أمر الملتقى، وهو جانب العقل السوداني المعاصر في إبراز دوره المنوط به التعريف للمجتمع الدولي من باب التآليف والفكر والأسلوب.
هذا الكتاب المرقوم
هذا الكتاب المرقوم الذي بين أيديكم ( صالون وادي النيل – بملتقى السرد العربي الدائم بالقاهرة ) هو توثيق للعلاقات الثنائية بين البلدين الشقيقين في تعريف الارتباط بين أبناء وادي النيل لكل العالم وبالذات الذين نوقشت أعمالهم في اضابير ودهاليز الملتقي بعد عكوف لأيام وإعداد دراسي مسبق لإنجاح أي ندوة والترتيب الممتاز الذي يليق بمستوى المحتوى المقدم وبمستوى الطرح والمناقشة ومن ثَمَّ الخلاصة المفيدة التي ترفع من قيمة العقل والقلب والإنسان والتي اتضح اثرها الايجابي في كل العالم كما ظهر ذلك جليَّاً عبر الرسائل الخاصة على صفحات التواصل الاجتماعي والاتصالات المباشرة بين الكاتب والمناقِش مما أعطى صورة حية تمشي بين الناس على قدم الحق والخير والفضيلة والجمال وتنال مقعدها الوثير بين العقل واللسان الإنساني المختلف بكل جدارة واستحقاق.
الأثر الباقي للصالون
لا يقل دور هذا الصالون بأي حال من الأحوال عن رابطة القلم في بدايات القرن العشرين ولا أقلام شعراء المهجر ولا مجلة الرسالة لأحمد حسن الزيَّات ولا أي كيان أدبي قديم هذا إن لم يتفوق عليهم لأسباب حكم الوقت والتطور والعقل الحادث بلا مِراء .
هذه الكلمة وهذا الكتاب، نقدمهما للتاريخ المشترك بين أبناء وادي النيل العملاق لكل العالم أنَّ مصر والسودان أشقاء بعيداً عن السياسة والتلاسن، وتوثيقاً للأجيال القادمة لتعرف أهمية الدور الذي قام به الثلاثي الكريم الأستاذ الدكتور / حسام عقل، والأستاذ الدكتور / بدر الدين العتَّاق، والأستاذة الفضلى / فدوى سعد، ولا يخفى دور الأستاذة القديرة / عزة عز الدين، لما تقوم به من تقديم كريم وإدارة للندوات تليق بالجميع من حيث الخبرة والتواضع وأدب العارف، فلا تضيع قيمة هذه الندوات والمحاضرات والفعاليات ولا الأسماء التي عكفت على إخراجها بأحسن ما يكون بلا من ولا أذى ، سُدى ، في وهاد المشاغل وكِفَاتِ المشاكل ولتكون آية يحتذى بها لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.
لا يفوتني أن أذكر في هذا المقام ، نيل السودان درع التكريم من الملتقى قبل عدَّة أشهر، 3 / 5 / 2025 لمشاركاته الجليلة والهادفة والمفيدة والرسالية حين كان السودان ضيف شرفٍ للمؤتمر السنوي الثالث للملتقى – تجد التقرير داخل هذا السفر – والذي تسلمته بدوري ” بدر الدين العتَّاق ” نيابة عن الشعب السوداني وأسرة الثقافة به ، بعد أن اخترت من قبل اللجنة المنظمة للملتقى بمقرها بالمهندسين لتمثيل السودان واثبات وجوده في المحافل الدولية وهذه إضافة مقدَّرة بلا شك لرفع اسم السودان عالياً خفَّاقاً في ربوع مصر والوطن العربي بلا شك والحمد لله .
رسالة الصالون والملتقى
لا يهونن أحدكم من هذا الجسم الثقافي الإفريقي العربي السوداني ” صالون وادي النيل – بملتقى السرد العربي الدائم بالقاهرة ” بأي حال من الأحوال ، الذي سيبقى طويلاً ، طويلاً في عمر الدنيا والأدب والعلم والفكر ، هذا الجسم الثقافي السوداني بمصر ، الذي ولد عملاقاً بكل ما تحمله الكلمة من معنى ، فهو محفور في ذاكرة التاريخ والحضارة الإنسانية ، ومنحوت في كيان الأدب العالمي ، ومركوز في أضابير الإعلام المصري ، وفي أرشيف الملتقى السردي العربي ، وفي عقل الكاتب السوداني ، وفي أدبيات الثقافة العربية والعالمية ، وفي متون أحاديث المجالس ، وفي مكنونات المخيلة الفكرية والثقافية أينما كانت ، وفي ألسنة الأجيال القادمة بلا جدال وفي أروقة المنتديات الأدبية والفكرية والثقافية والفنية والإبداعية والاجتماعية والسياسية والإنسانية بلا منازع .