آخر الأخبار
The news is by your side.

نعي مؤلم عبد القادر سالم، الإنسان الفنان

نعي مؤلم

عبد القادر سالم، الإنسان الفنان

بدر الدين العتاق

 

قال تعالى : [ كل نفس ذائقة الموت ثم إلينا ترجعون ] سورة العنكبوت، صدق الله العظيم.

وقال شاعرهم :
خبر ما نابنا مصمئل * أجل حتى دق فيه الأجل

رغم مرضه المزمن الذي لازمه طويلاً ، صابراً عليه محتسباً أجره عند الله ، إلا أنه كان يتحامل على نفسه مضيافاً كريماً سجياً لضيوفه متسامحاً معهم فيجامل هذا ببسمة وذاك بكلمة وهؤلاء بأغنية تخرج قسراً من بين ثناياه ممسكاً العود ثقيلاً على يده خفيفاً على نفسه قريباً إلى روحه ليدندن به إلينا وليرسم على شفاهنا الرضا وعدم الشفقة عليه ، حتى إذا أعياه الكلام المنتظم فناً عبقرياً وصوتاً ساحراً متقطعاً أصيلاً رخيماً وغلبته الريشة خفة على الوتر الحنين ، خاطبنا مجهداً ومجتهداً ( والله ما قادر أمسك العود ، سامحوني يا جماعة ) وكلنا تمسكنا شكولاً نخفف عليه بالتشجيع والتصفيق والاستحسان ويطبطب علينا هو ببسمته الهادئة وجلسته الوقورة فخاطبناه : ( خلاص يا أستاذ كفاية لحدي هنا ) .

وتراه يوقع اوتوغرافاً ممهوراً بيده التي شفت بأنفاسها نفوس الفن والحب والسماحة والمجاملة وحسن السجية ( ١٩٤٦ – ٢٠٢٥ ) لأكثر من خمسين سنة فناناً شاملاً ملتزماً ، لكتابه الذي أهداني نسخة منه ( الغناء والموسيقا التقليدية بإقليم كردفان ) وهو جزء من رسالته للدكتوراه التي نالها سنة ٢٠٠٥ ، من جامعة السودان للعلوم والتكنولوجيا ، مكتوب عليها ( اهداء مع الشكر والتقدير إلى الدكتور بدر الدين العتاق ، مع تحياتي ) ١٤ / ١١ / ٢٠٢٤ ، وبالمقابل اهديته كتابي ” نظام الحكم السودان ” ، الذي اختاره شخصياً من جملة ما كتبت ، أن أهديهه مما يشير إلى وطنيته المخلصة وسودانيته العتيقة وانتماءه الأصيل لبلاده ولكردفان التي يكتنفها حباً وكرامة .

زرته مرتان بمحل إقامته بالقاهرة مدينة المهندسين مستشفياً أنا وبعض من قامات بلادي السودان ، زيارة حملت مشاعلاً من الوفاء والجمال والمحبة وعبق الذكريات منه وإلينا ، وبينه والأستاذ القامة الشاعر الكبير القدير التجاني حاج موسى، والأستاذ الشاعر الكبير القدير محمد نجيب محمد علي، والدكتور الموسيقار كمال يوسف، والفنان الشعبي محمود علي الحاج والأساتذة : معتصم فضل وحرمه المصون ، منى الرشيد نايل ، الفنان المصري محمد وحيد وحرمه المصون ، أمين السيد ، أيمن عبد الله، الفنان الجميل بدر الدين حمدي ، خديجة نمر ، الدكتور كمال حمزة باشري ، الطاهر تور كبير ، وآخرون ،
*جيناك زي وزين هجر الرهيد يوم جفا* ..
*ضاع من بلاد لبلاد ما أظن عاجبو بُعاد* ..
*جيناك زي وزين عاد فاري جناح* ..
*شالو الحنين يسبق رياح ورياح*..
*والغربة ليل طويل لمتين يجينا صباح*..
*جيناك زي وزين لاح البرق نادا*

يتجاذبون أطراف الحديث ويلقون أقلام الشعر والفن والسياسة والثقافة بعامة وشجون حالة البلاد وما وصلت إليه بخاصة ، حتى إذا دجى الديجور وقعد على كرسيه مريضاً مجاملاً ضيوفه لأكثر من عشر ساعات متواصلات ، قلت للجميع ( نستأذن نمشي ، الأستاذ تعبان ومجامل على حساب صحته ) فأصر أستاذنا القدير عبد القادر سالم، على أن نتمهل في الأنس فهو في عافية طالما نحن معه ، وهكذا تجاملنا جمالاً ومحبةً وسودانيةً خالصةً محببةً إلينا جميعاً فخرجنا كلٌ لحاله متمنين له عاجل الشفاء التام والريدة في قلوبنا والله علاما .

*حليوة يا بسامة الفايح نساما
الريدة في قلوبنا الله علاما
طالبين سلاما ما تبقى ظلاما يا خيا الدنيا دي معدودة أياما*

كانت أشهر اغنياته*
*ﺍﺳﻴﺮ ﻏﺰﺍﻝ ﻓﻮﻕ ﺍﻟﻘﻮﻳﺰ* *كلام ﻏﺰﻝ ﻣﻌﺴﻮﻝ لذيذ*
*ﺩﻣﻌﺎﺕ ﻋﺘﺎﺏ ﻣﻦ ﺯﻭﻻً عزيز*
*ﺳﺎﻟﺖ ﺑﺤﺮ ﺳﻘﺖ ﺍﻟﻘﻠﻴﺐ ﻓﻰ ﻛﺮﺩﻓﺎﻥ*
*مكتول هواك يا كردفان*
*مكتول هواك أنا من زمان*
***
الدكتور عبد القادر سالم ، ملك لايقاعات (المردوم) و(الجراري) و (النقارة) و(التم تم) *فكانت اغانية (المحلب الدقاقة) و (كلّم قمارينا) (اللوري حل بي) (الله الليموني) ( ليمون بارا)*
*( لهيج السكر) أكثر من أربعين اغنية*
*( قدريشنا حلاتة قدريشنا .. في دلالا فينا بتمنى .. مالو بخاف الريد .. وريدو والله كاتلنا*
*عيوني لهن حق انهن عاشقنا*
*ده جمال اكفي الناس براهو شايفنا ).

أخص بالتعزية الأستاذة الفضلى ابنته / وجدان عبد القادر سالم، التي كنت متواصلاً معها طيلة الفترة الماضية سائلاً عن صحة الوالد المرحوم عبد القادر سالم، واتابع أخباره في الميديا بين الفينة والأخرى ، ولكل أسرته الكريمة وابنه محمد وتيسير وبقية الإخوة والأخوات ، اللذين ما بخلوا علينا بزيارته ولم يمنعونا عيادته رغم مرضه عن التخفيف عليه ورغم كثرتنا الكثيرة وزياراتنا المتعددة له ، فجزاهم الله خير الجزاء وبارك فيهم أجمعين.

اللهم ارحم عبدك عبد القادر سالم عبد القادر ، رحمة واسعة واجعل مرضه كفارة له وألهم أهله وذويه الصبر والسلوان وحسن العزاء.

العزاء لعموم أهل الفن والسياسة والثقافة والكتابة والصحافة والإعلام والأحباب والأصحاب وعشاق فنه الفريد الباقي بيننا بلا انقطاع إن شاء الله.

*الليله غاب تومي خلوني يا خلاايق*
.. *ياسلااام خلووني يا خلااايق*
*نعد نجوم الليل ناار الغرام ضايق* ..
*حلو كلام الريد الفي الضمير شايق* ..
*زولي رحل يا نااس غير شوفتة ما رايق*
*الليله غاب تومي خلوني يا خلاايق*

وما كان فقده فقد واحد * إنما بنيان قوم قد تهدما

والحمد لله على ما أراد ربنا وشاء .

 

Loading

شارك على
أكتب تعليقك هنا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.