مأساة دارفور ( شوكة الجمل ) بدر الدين العتّاق
مأساة دارفور ( شوكة الجمل )
بدر الدين العتّاق
في ندوة أقيمت قبل أكثر من خمسة عشر سنة بدار حزب الامة القومي بأم درمان خاطبها الإمام السيد الصادق المهدي ، _ عليه رحمة الله _ وكانت حول قضية دارفور ، والمعروف عن الإمام الراحل ولعه وارتباطه بالأمثال الشعبية للغاية فقال : [ قضية دارفور دي زي شوكة الجمل لامن تطعنه شوكة وما يقدر يطلعها ، فكل مرة يضغط عليها عشان تطلع ، ما بتطلع ، فتخش جوة قدمه زيادة ، ويظل على هذا الحال والمنوال إلى أن تختفي داخل الخف أو القدم ، وفيما بعد تتورم قدم الجمل وتتضخم لحدي ما يعجز عن المشي ، أها الحاجه الوحيدة عشان يرتاح من الألم أنه تتقطع الرجل عشان تشفى ويشفى الجسم ، دي قضية دارفور ] .
أنا ذكرت هذه المقولة للحبيب الراحل على خلفية تداعيات أزمة دارفور اليوم التي زاد من وطأتها تكالب القريب قبل البعيد عليها وهي ترزح تحت الحصار لأكثر من عام ونصف العام دون اي تدخل مجتمعي دولي أو إقليمي والكل يغط في سبات عميق من التغافل والتجاهل والتسويف والاسفاف لكل ما يعانيه مواطن الاقليم ولا حراك لمن يهمهم الامر من أهلى قيادة الدولة وقوفا عند حاكم اقليم دارفور إلى أدنى مستوى من مستويات التغافل الداخلي ، بينما تحتضر بمعنى الكلمة دارفور دون أن يلقنها الشهادة أحد.
في التحليل العام للحصار ومجريات الرباعية ومفاوضاتها بواشنطن المباشرة وغير المباشرة تلوح في الأفق بوادر انفصال الاقليم عن وحدة البلاد وهذا ما ينشده المجتمع الدولي ليلحق به بعد انفصال الجنوب ، بقية الولايات السودانية بالتتابع دون رؤية استراتيجية واضحة لقيادة الدولة واحزابها السياسية وفي غياب تام عن أي مبادرة حقيقية واقعية من جانبهم تحفظ الاقليم وبقية اقاليم السودان من مصير جنوب السودان.
خذ معك الآتي وانت تقرأ هذه المرافعة بجدية وواقعية لا مجال للعاطفة هنا :
انعدام الأمن والأمان والاستقرار، القتل الجزاف الذي لا يفرق بين مدني وعسكري ولا بين شيخ جليل ولا طفل رضيع ، انعدام تام للغذاء والدواء وإن وجد فهو ما يعادل من قيمته الحقيقة اربعمائة بالمائة ضعفا حتى اضطر الجميع تحت وطأة الحصار واللارحمة الحرب الزبون أن يقتات الناس من علف الحيوانات ( الامباز ) هذا إن وجد هو الآخر ، انسداد الرؤية السياسية في أفق الحلول الجذرية ، اغلاق منافذ انسياب الاغاثات والمساعدات الإنسانية للمتضررين ، تلبد السماء بوابل الرصاص والمسيرات ، اغتصابات جماعية وفردية بأرقام مثبتة من تقارير دولية ، التعذيب والتبشيع دون رحمة ودون محاكمات والتمثيل بالجثث بعد الاجهاز عليها ، أبشع صور البشاعة الآدمية في القرن الواحد والعشرين ، لم يشهد لها التاريخ القديم إبان الحربين العالميتين الأولى والثانية من مثيل ، ولا حتى إقليم غزة بفلسطين في العصر الحاضر ، وحسبنا الله ونعم الوكيل.
عليه : يتحمل الوزر ، كل الوزر الآتية صفاتهم وألقابهم ومستوياتهم : خونة البلاد والعباد وعملاء الأرصفة ومتسولي السفارات العالمية، قيادة الدولة وعلى رأسها مجلس السيادة ، حاكم اقليم دارفور ، الساسة العطالى والأحزاب العجوزة وسمسارة الحروب وتجار السلاح ، النشطاء واشباه الرجال ، المجتمع المحلي والاقليمي والدولي ، بدر الدين العتاق ومثقفو الشعب ، ” تأسيس ” وأتباعها واذيالها ، الدعم السريع قاعدة وقيادة ، الولد الاسمه حميدتي ، طوب الأرض وماء النيل وما تحمله السحاب ، الغرابة والجلابة وبائعي صكوك الديمقراطية والمدنية في سوق الكساد السياسي من أعلاه إلى أدناه ، المنظمات الإنسانية المدنية الكسولة والخجولة ، الشفشافة والشفاتة والهمباتة والجوكية ، المرتزقة والارزقجية وما اكل السبع ، كل من أسهم في الحرب ولو بشطر كلمة ، كل من أعان على إهانة المواطن السوداني أو قتله ولو بهمزة أو لمزة أو غمزة أو همسة وبالأخص الإنسان الفاضل ” أحمد ” صاحب المطعم ( بتاع المطعم ) بالفاشر الذي قتله أبو لولو المجوسي بعشر طلقات اخترقن جسده الشريف بلا رحمة ولم يرجف له جفن أو تشفع معه شفاعة ، آخرون، والقائمة تطول ولا نامت أعين الجوكية وحرامية الحمير وسارقي الإبل وأحلام البسطاء من عيون الشرفاء وكنداكات الكنابي .
ستظل قضية دارفور قضية مفصلية في تاريخ السودان الحديث وبالأخص على عاتق الساسة من وراء الظل ، وستكون بلا شك وصمة عار على جبين الإنسانية كلها وبالأخص مجلس الأمن الدولي وعصابة الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي واشباههم ، ويجب إدراك ما تبقى من من وحدة السودان حتى لا تدركها ” شوكة جمل دارفور ” فيصاب سائر جسد الوطن بالسهر والحمى .
كسرة مهمة
أنا كتبت هذه الكلمة على خلفية ندوة اليوم [ ٥٠٠ يوم على حصار الفاشر ] التي أقيمت بوسط البلد، تضامنا مع إنسان المنطقة وإياك أعني يا جارة .
![]()