آخر الأخبار
The news is by your side.

لوحة ثلاثية .. قصة .. د. سيد شعبان

لوحة ثلاثية .. قصة .. د. سيد شعبان

بالفعل حين أمسكنا بالقلم وبدأنا تلك المشاغبة امتدت مساحة خيالنا، اتسع أملنا أن تظل خارطة المكان بكل إحداثياتها والزوايا نتوءا بارزا؛ تحايلنا أن نجعلها في الخلفية، لا نريدها أن تكون ثنائية الأبعاد؛ هذا يشعرنا بالملل، نريدها أن تكون ثلاثية ملهمة للقادمين بعدنا، الجديد في ذلك أننا صدقنا الألوان التي سكبناها طواعية، بدا لنا أن اللوحة تجميع رائع لمختلف مذاهب الفن الحديثة، أحدنا كان ماهرا في مزج الخليط المتناثر، كيف للألوان المتضادة أن تبقى متجاورة؟

اعتدت بمضي الوقت أن آلف كل ما كرهته في السنوات الماضية، الأبعاد تتجاور في تراتب نسقي، لن ينفرد أحد بمساحة خضراء والباقون تائهون في وادي القحط، علمت بعد أن قبول غيري يعبث في أشيائي الخاصة رهن بأن أحتفظ بالأسرار بعيدا عن عبث المتطفلين الذين يتعشقون التنصت على مسافة البوح الخاصة.

اكتملت اللوحة السريالية إنها تشبه الجيوكاندا، بل هي أقرب إلى لوحة الموناليزا رائعة دافنشي، هكذا اعتاد كل من ألقى عليها نظرة أن يدون ملاحظاته عليها، تضخم أسفل اللوحة حتى صار مثل انتفاخة المرأة حين تكون حبلى، ذلك منظر مثير، يشعرك ببداية جديدة، كل من امتدت يده في تكملة أبعاد تلك الفسيفساء صار مزهوا؛ لا حديث لبرامج الرغي اليومي غير براعتنا في تجميع ذلك الكم المتنافر من الألوان- كما قلت لكم- في هذه الرقعة الضيقة من فراغ يملؤه الصدى، بدأنا نتساءل هل تستحق تلك اللوحة المغامرة كل هذا الاحتفاء؟

أحدنا صدق أننا موهبون، اختار أن يتكلم نيابة عنا، نحن أدوات مسخرة تعمل بين يديه، بدأنا نشعر بالخداع، فلا يعقل أن نسرق دون مقاومة!

انتبهنا لهذا الخداع الذي يدب في حنايا اللوحة، سينسبها لعبقريته، كثرة الطنين تجلب المجد، حتى ولو كان زائفا.

فالناس هذه الأيام مصابة بحالة من وشوشة الذاكرة، تغيم مفرداتها، تسكنها الجنية الماكرة التي سرقت الصغار إلى مغارة النهر، بدأنا نحتاط جيدا للوحتنا، احتفظنا بها بعيدا، هذا آمن لها، لكنها ستصاب بدودة الورق الفضية، تلتهم في تشف خليط الألوان فهو يجلب شهيتها، وضعناها في مكان خفي، ولكن الخيوط تتأبى على القيد، تسربت في صفحات الألواح وفوق نوافذ المحال، وجدناها مرة تحوم فوق أسوار الجامعة، تتدلى منها رابطة عنق مدماة، لقد أطلقوا عليها رصاصات غادرة، رغم الخدوش التى تناثرت في جوانبها، لكنها صارت وثائقية؛ هكذا طبعت منها نسخ كثيرة، زحفت مع الجموع.

Loading

شارك على
أكتب تعليقك هنا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.