آخر الأخبار
The news is by your side.

 نزع الأقنعة … بقلم: د. هاشم غرايبه

 نزع الأقنعة … بقلم: د. هاشم غرايبه

أطماع الرأسمالية ليس لها حدود، وكلما ازدادت ثروات المترفين ازدادوا جشعا وبحثا عن سبل أخرى لزيادتها، ولأنهم أصحاب النفوذ، فهم يغيرون القوانين لتخدمهم بدل أن تردعهم، فلا حواجز تردعهم ولا قيم إنسانية أو أخلاقية تستوقفهم، بعد أن جعلوا لحرية جمع المال القيمة العليا.

ما سأطرحه تاليا، قضية هامة، وهي كيف تمكن الاحتكاريون الأوروبيون من إقناع الناس بأن الحليب الصناعي يغني عن الرضاعة الطبيعية، فلجأوا بداية الى التضليل الإعلامي لإقناع المرأة بان ثدييها عنصر جمالي، وليسا مخلوقين لهدف أساسي هو إرضاع الطفل، ثم بالتزوير العلمي القائل أن الطفل بعد السنة الأولى يحتاج الى حليب صناعي مدعم بمواد ضرورية لا يوفرها الحليب الطبيعي.

إرضاع الأم لوليدها من ثديها، ليس حاجة غذائية فقط، بل هنالك جملة عناصر تتحقق منها، أهمها الحالة النفسية بين الطرفين: اطمئنان وشعور بالحنان من قبل الطفل، وسكينة وراحة نفسية من قبل الأم.

وثانيها أن حليب الأم يحتوي مكونات كثيرة لا يمكن توفيرها صناعيا، فقد ثبت أن العناصر المكونة للمقاومة الطبيعية تنتقل الى الطفل عبره، وكل المعادن والفيتامينات المكتسبة زيادة على العناصر الغذائية اللازمة تأتي عن طريق حليب الأم وبنسب متوافقة مع حاجة الطفل اليومية، فقد ثبت بالبحث العلمي أن تركيبة ومكونات حليب الأم تتغير كل يوم، بل خلال الرضعة الواحدة، وليس صحيحا أن سبب ذلك تغير طعام الأم، فقد ثبت أن الغدد المفرزة للحليب لا تأخذ من دم الأم إلا ما تحتاجه تماما، بغض النظر عن غنى أو فقر طعام الأم.

الفائدة الثالثة هي في ما أثبتته الدراسات من أن الإرضاع يحد من سرطان الثدي عند النساء، وهو الأكثر نسبة بين السرطانات جميعها، فقد جاء في احصاءات منظمة الصحة العالمية أن الرضاعة الطبيعية من شأنها الوقاية من قرابة 800 ألف حالة وفاة للأطفال دون سن الخامسة، و20 ألف وفاة بسبب سرطان الثدي بين الأمهات سنويا.

يمكننا فهم التعتيم على ما سبق من معلومات مؤكدة، إذا ما عرفنا ان سوق الحليب الصناعي تحقق ما يزيد عن 125.2 مليار دولار عالميا.

“نستله” هي إحدى أكبر شركات انتاج حليب الأطفال الرضع، اتهمتها المجموعات المناهضة لاستغلال البشر، بأنها استطاعت الترويج المضلل بأن الأمهات لديهن مشكلة أساسية بالرضاعة الطبيعية، وأن الحليب الصناعي منتج أساسي لحل تلك المشكلة، بل وروجت بأنه مدعم بالعديد من العناصر الغذائية مثل الكربوهيدرات والدهون والبروتينات والفيتامينات والمعادن (حمض اللينوليك، البريبايوتكس، وما إلى ذلك) ويمنح الطفل النمو الطبيعي العام الذي يضاهي حليب الأم الطبيعي.

عام 1974، صدر تقرير بعنوان “قاتل الأطفال” (The Baby Killer) نشرته منظمة “الحرب على العوز (War On Want) ومقرها في لندن، اتهم “نستله” بالتسبب في المرض ووفيات الرضع في المجتمعات الفقيرة بدول العالم الثالث من خلال الترويج لمنتجاتها من حليب الأطفال على حساب الرضاعة الطبيعية،

وبعدها، بدأت مجموعات حقوقية اجتماعية حملاتها لإلقاء الضوء على الممارسات الاستغلالية لتلك الصناعة.

بالمقابل، لو بحثنا في كتاب الله، سنجد أنه قد خصص حيزا كبيرا لمسألة الإرضاع الطبيعي، ووضع لها محددات.

ففي الآية 233 من سورة البقرة حددت فترة الإرضاع: “وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ”، فإن توافق الوالدان على فطامه لمصلحة المولود قبل ذلك فيجوز: “فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَن تَرَاضٍ مِّنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا”، وإن توافقا على أن ترضع له أخرى فعلى الوالد إيفاء المرضعة أجرها: “وَإِنْ أَرَدتُّمْ أَن تَسْتَرْضِعُوا أَوْلَادَكُمْ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُم مَّا آتَيْتُم بِالْمَعْرُوفِ”.

وحتى لو حدث طلاق فمصلحة الطفل مقدمة مع مراعاة حق المرأة: “فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ۖ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُم بِمَعْرُوفٍ ۖ وَإِن تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَىٰ” [الطلاق:6].

لقد أوجد الخالق في الثدييات خاصية إرضاع المولود، وأودع في كل نوع منها مواصفات خاصة للحليب، ووضع في الأنعام الأربعة (البقرة والناقة والشاة والماعز) ميزة انتاج الحليب بأضعاف الكمية اللازمة لوليدها، لينتفع منه الإنسان البالغ، كغذاء ثانوي وليس كمصدر أساسي وحيد كالمولود حديثا.

أن الإنسان أرقى المخلوقات، لذلك احتياجاته مختلفة، ولو علم الخالق ان حليب البقرة يسد مكان حليب الأم، لوجّه الناس لذلك، ولما احتاج الى إيراد كل أحكام الإرضاع المتشابكة.

Loading

شارك على
أكتب تعليقك هنا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.