آخر الأخبار
The news is by your side.

 موقف عمومي …. بقلم: د. هاشم غرايبه

 موقف عمومي …. بقلم: د. هاشم غرايبه

جذب انتباهي شخص رأيته في أحد الأسواق المجمعة (المول)، يتنقل بين الأرفف وهاتفه لا يفارق أذنه، ويبدو أنه كان منهمكا في مهمته، لدرجة أنها أنسته أن صوته عالٍ يسمعه كل القريبين حوله، كان يصف لمن يحادثه الأصناف المعروضة صنفا صنفا مع سعر كل منها، قدرت أنه يخاطب زوجته، والتي حزرت من تردده أنها قيدته وضيقت عليه خيارات الشراء، أثار ذلك فضولي فنظرت إليه فوجدته شابا في نحو الأربعين يبدو في مظهره متعلما، ومن تصفيفة شعره ونمط ملابسه أنه مواكب لتقليعات هذا العصر.

لما لمح نظرتي له، غير فورا لهجته الرقيقة، وبدلا من الجمل المتوسلة للرضا، باتت كلمات منفردة جافة قاطعة، ورفع من نبرة صوته لكي يسمعني ما تقوله شخصيته الأخرى التي ركّبها فورا .. شخصية الزوج الآمر الناهي.

لا شك أن هذا الإنقلاب المفاجيء أدهش زوجته التي على الخط، لكنه لم يقدم لها تفسيرا بل قال منهيا المكالمة: “خلص بعدين..بعدين”.

هذه الصورة معتادة في مجتمعنا، بل هي أكثر الصور انتشارا، وأعني بها الشخصية المزدوجة في علاقة الزوج بزوجته، فهو رقيق حنون عندما يكونان على انفراد، ونقيض ذلك أمام الآخرين، فلماذا ذلك التناقض؟.

لو أخذنا بالمقابل هذه العلاقة في المجتمعات الغربية للمقارنة، لوجدنا أن حالة ازدواجية الشخصية عندهم غير موجودة، فالزوج لا يغير أسلوب تعامله مع زوجته سواء كانا في خلوة أو في المجتمع، ربما لأن المجتمع لا يتدخل في هذه العلاقة، ولا يعتبر رقة الرجل لزوجته ضعفا في شخصيته.

إذن جذور هذه الحالة ضاربة في عمق قيمنا وتقاليدنا الإجتماعية ولعل أسباب ذلك تعود الى عدة عوامل، أولها قيمنا القبلية العتيقة التي كونتها طبيعة الصحراء والغزو، التي رسخت التسلط الذكوري فجعلت كل القرارات في يد الزوج، واعتبرت تدخل الزوجة انتقاصا من حق الرجل، وبالتالي من المعيب أن يقبل بذلك.

ثاني تلك العوامل: طبيعة التداخل الحميم بين العائلات الممتدة طوليا وعرضيا، مما يولد رقابة اجتماعية لصيقة تكون مفيدة لمنع المشاكل الزوجية إن كانت الرقابة إيجابية محدودة، لكن لها مضاعفات سلبية إن أصبحت تدخلا وتطفلا، لذا يجاهد الزوج لإبقاء علاقته ودية مع زوجته ولو على حساب التنازل عن بعض مكتسباته السيادية، لكن يبقيها خفية على المجتمع حتى لا تناله الملامة، لأن قيمنا السائدة لا تتقبل الانتقاص من صورة الزوج على أنه الآمر الناهي الأوحد في البيت، من هنا تنشأ الإزدواجية: رقة في الخفاء، وتظاهر بالغلظة في العلن.

ثالثا: الفارق بين طبيعتي الرجل والمرأة، فالرجل منحه الله القوامة لتفوقه الجسدي فيزيولوجيا وبسبب مسؤوليته المالية، بالمقابل خلق للمرأة سلاحا يحقق توازن القوى وهو الكيد النسوي، وهو ليس خبثا كما يتبادر الى أذهان الرجال، بل هو وسيلة حباها الله للمرأة، لتعديل ميزان القوة الذي يميل لصالح الرجل، لذلك فهو موجود في كل امرأة بغض النظر عن ذكائها أو مستوى ثقافتها، وتعريفه بكل بساطة: القدرة على المداورة والمناورة بصبر ومواظبة الى أن يتحقق مطلبها، لذا فهي لا تهتم أن يقال أنها صاحبة القرار كما الرجل، بل بتحقيق الغاية، بل قد يوصل المرأة – ان استخدمته بذكاء – الى ايهام الرجل بأنه صاحب القرار فيما هو حقيقة لا يملكه.

العامل الأخير: قد يتولد نتيجة لضعف شخصية الزوج أو قلة حكمته، فتلجأ الزوجة الصابرة على نصيبها لتعويض ما قصر به زوجها، ويحس الزوج بتفوقها وسداد رأيها فيتخلى لها عن القيادة، إن كانت ذكية تحاول أن لا تظهر ذلك أمام الغير بل تتظاهر بالعكس، لأن انكشاف الأمر يقلل من احترام الناس لزوجها فينعكس ذلك على عائلتها، لكن هؤلاء قليل ما هن .

ويبدو أن صاحبنا الذي صادفته في (المول) مثال على هذه الفئة.

Loading

شارك على
أكتب تعليقك هنا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.