آخر الأخبار
The news is by your side.

“من لم يكن في الزيادة فهو في النقصان”

“من لم يكن في الزيادة فهو في النقصان”

– رؤية لمشهد عام –

بقلم: خالد محمد طه

القراءة فعل لا يطيقه إلا المحظوظين وذوي الصبر الجميل، وهي إضافة حقيقية للتراكم المعرفي لدى القارئ، وللكلمة المكتوبة أو المنطوقة شأن عظيم لذا كرم الله سبحانه وتعالى الأمة بإن أبتدر الوحي بعبارة ” إقرأ ” فجاءت كلمة فاتحة ودالة مستدامة، لذا كانت القراءة لازمة للجميع خصوصا لؤلائك المساهمين في الفعل الكتابي لابد لهم من المداومة على القراءة ومواكبة كل جديد .

خلال فترة العطلة – غير الطوعية – وجدت فرصة لقراءة بعض من ما فاتني من كتب وإصدارات ودراسات نقدية وغيرها من المنتوج الأدبي الممتاز، بينها اطلعت على مجموعة الكتابات السردية للأستاذ / هاشم محمود حسن، وهو كاتب إرتري مجتهد، له خمس إصدارات سردية هي ” الطريق إلى أدال” صدرت عن دار الجنان الأردنية في يناير 2017م، و” تقوربا ” صدرت عن دار روافد المصرية في ديسمبر 2017م، و ” شتاء اسمرا ” في سبتمبر 2019 م و ” من دار روافد أيضا، و” عطر البارود” صدرت في أغسطس 2019م من دار النخبة المصرية ثم ” الإنتحار على أنغام الموسيقى” صدرت في يناير 2020م من دار النخبة بمصر أيضا .

خلال متابعتي لكتابات الأستاذ/ هاشم محمود، وما كتب عنها أو عن ملتقيات التوقيع على الإصدارات أو التعليق على نيل رواية ” عطر البارود” لجائزة عن أفضل الإصدارات المصرية خلال العام 2019م، استوقفتني ملاحظة هامة هي موضوع مقالي هذا، وهي أن معظم المكتوب بأقلام غير إرترية جاء مشجع ومحتفي ومحفز له على الاستمرار في الكتابة، بينما معظم التناول الارتري لم يكن في ذلك الاتجاه !! .

أذكر انه ومنذ عقدين أو أكثر تصالحنا – مجموعة من المشتغلين في الهم الكتابي – على أن نحتفي بأي إصدارة من ناحية أنها تحمل نظرة الكاتب ومساهمته وفق قدراته، بمعنى عدم التركيز على الشروط الخاصة بشكل الكتابة، بل النظر إلى محتوى الكتابة كخطوة من خطوات توطين فكرة الكتابة نفسها مقابل ثقافة المشافهة .

وذلك بوضع خصوصية الواقع الارتري في الاعتبار، أذكر انه قبل عشرة أعوام وشهر أطلق الأستاذ / إبراهيم إدريس محمد سليمان مبادرة مهمة في بوست بموقع ” سودانيز أون لاين” كان مهم أيضا وكتبت وقتها مداخلة مشاغبة تقول :

“التوثيق” هذا خيط اخر تجره يا ابراهيم، تكفينا حربك ضد المشافهة التى انت احد اساطينها – لفت انتباهي صديقي “حكيم” الى كم المشافهة الذى حارب به ابراهيم ادريس المشافهة ! اكتب نكتب يكتب .. كانت هذه دعوتك وقد اثمرت عندنا وفيراً.

إعتمدنا في رؤيتنا تلك على ان ” الأدب سابق للنقد في الظهور، ولولا وجود الأدب لما كان هناك نقد أدبي لأن قواعده مستقاة ومستنتجة من دراسة الأدب ” من التجربة الخاصة بنا أيضا أن هنالك من تعرض لإنتقاد ” ليس نقد بأي حال ” ثم لم يكرر التجربة ! .

إن كان ذلك الرأي قبل عشرة وعشرة أخرى من السنوات لما لا نجعل يومنا أفضل من أمسنا ؟ لما لا نرحب بالمنتوج الأدبي ثم نخضعه للنقد الأدبي، لا الإنتقاد وهنالك فرق بين الاثنين وبينهما خيط رفيع.

التفسير العلمي للنقد الأدبي يشير إلى أن “النقد الأدبي هو دراسة ونقاش وتقييم وتفسير الأدب” وطبعا ليس هنالك أي مجال سوى اعتماد ذلك فلو حركت مؤشرات البحث في مكان في الدنيا لن تجد معنى آخر للنقد الأدبي لكن قد تجد التقليدي منه والحديث الذي يعتمد غالبا على ” النظرية الأدبية ” وهي النقاش الفلسفي لطرق النقد الأدبي وأهدافه، ورغم العلاقة بينهما فإن النقاد الأدبيين ليسوا دوما منظرين .

إن كان النقد الادبي هو “فن” تفسير الأعمال الأدبية، وهو محاولة منضبطة يشترك فيها ذوق الناقد وفكره، للكشف عن مواطن الجمال أو القبح في الأعمال الأدبية – وفق التعريف الأكاديمي – يصبح من الأولى توفر شروط المعرفة لدى من يقوم بعملية ” القراءة النقدية ” .

إن الناقد ينظر في النصوص الأدبية شعرية كانت أو نثرية ثم يأخذ الكشف عن مواطن الجمال والقبح فيها معللاً ما يقوله ومحاولاً أن يثير في نفوسنا شعور بأن ما يقوله صحيح وهو أقصى ما يطمح إليه النقد الأدبي، لأنه لن يستطيع أبداً أن يقدم لنا برهاناً علميا يقيناً.

ولذا لا يوجد نقد أدبي صائب وآخر خاطئ وإنما يوجد نقد أدبي أكثر قدرة على تأويل العمل الفني وتفسيره من غيره واختلاف مناهج النقد معناه اختلاف في وجهات النظر .

يرى البعض أن “الذوق” هو المرجع الأول في الحكم على الأدب والفنون لأنه أقرب الموازين والمقاييس إلى طبيعتها، ولكن الذوق الجدير بالاعتبار هو الذوق المصقول، ذوق الناقد الذي يستطيع أن يكبح جماح هواه الخاص الذي قد يجافي الصواب، الخبير بالأدب الذي راضه ومارسه، وتخصص في فهمه ودرس أساليب الأدباء ومنح القدرة على فهم أسرارهم والنفوذ إلى دخائلهم وإدراك مشاعرهم وسبر عواطفهم، بفهمه العميق وحسه المرهف وكثرة تجاربه الأدبية .

لذلك لابد أن يتمتع الناقد بعدة صفات منها :
قدر وافر من المعرفة والثقافة والبصر الثاقب الذي يكون خير معين له على إصدار الحكم الصائب.

فالأدب ونقده ذوق وفن، قبل أن يكون معرفة وعلما وإن كانت المعرفة تعين صاحب الحس المرهف والذوق السليم والطبع الموهوب .

هذا ما توافق عليه خبراء النقد الأدبي وتجدونه مبذولا في قاعات دراسة الاداب والفنون، وفي كل وسائط المعرفة العامة الأسفيرية والتي كانت مرجعي أيضا .

بين كل ذلك هنالك عامل مهم جدا هو “الأسلوب” الخاص بالكاتب و الناقد أو المنتقد، المصادر المذكورة أعلاه تعرف الأسلوب بوصفه طريقة التفكير ومذاهب التعبير أو الصورة الكلامية التي يتمثل فيها تفكير الأديب، وتفسيره، ويختلف الأسلوب بين الأديب وأديب آخر، كما يختلف أسلوب الأديب الواحد بين وقت لآخر باختلاف الموضوع الذي يتناوله .

وقبل أن يكتمل الأسلوب في صورته المكتوبة أو المنطوقة يكون في صورة ذهنية تمتلئ بها النفس وتطبع الذوق، وأسلوب كل كاتب هو نتيجة لاعداد خاص به أسهم في تكوينه “التراكم المعرفي” .

في الواقع لم أجد فيما توفر لي من قراءات في المكتوب عن أعمال الاستاذ / هاشم محمود السردية “مع و ضد” من ناقش الأفكار التي يطرحها، أو العاطفة والخيال في أعماله، أو الإيقاع الذي يضبط تطور الأحداث، ولا من تطرق لإستخدامات اللغة والصور وما تنقله من حقائق ومشاعر، ولم أجد أيضا من تحدث عن الأسلوب الذي أتبعه الكاتب في كل من أعماله الخمسة ! ومعلوم لدى الجميع أن نجاح العمل الأدبي معقود بصياغة هذه العناصر في وحدة متكاملة .

لست متخصصا ولا موهوب في النقد الأدبي، وكل ما ذكر أعلاه هو “قطوف ” من حقول المعرفة الأسفيرية المفتوحة كما أسلفت، لكني وجدت فيها ما يعزز فكرتي المبنية على أن نحتفي بالكتابة ثم نفسح للنقد والتقويم مساحة حرة وفق تعريفاته وأدواته ومناهجه المعروفة والمتبعة والمعتمدة .

قبل النهاية اود الإشارة إلى أن كل الإصدارات التي أنتجها الأستاذ / هاشم محمود كانت بتمويل ذاتي وذلك يحمد له، لكنه يقودنا إلى الحديث عن أزمة الطباعة والنشر التي جعلت من أعمال أدبية ممتازة حبيسة مقعدة وذلك الواقع حرم القراء منها قبل أن يحرم مبدعيها من حقهم في أن تصل أعمالهم لجمهور المتلقين، لذا ارجوا ان تفتح هذه الإشارة مجال للبحث والمناقشة عن سبل لحل هذه الأزمة المعيقة فعلا.

فالننتقل إلى واقع جديد يستند على كل الموروث والمنتج الكتابي أدبي كان أم تقريري أم علمي، فكل أنواع الكتابة تضع إضاءاتها التي تفسر الماضي وتتفاعل مع الواقع وتشكل المستقبل .

” من تشابه يوماه فهو محروم “

Loading

شارك على
أكتب تعليقك هنا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.