آخر الأخبار
The news is by your side.

مقدمة أولية في مستقبل الإستثمارات الأجنبية في السودان… بقلم: محمد الزين المحامي

بالرغم من أن السودان يعتبر من أغني دول العالم في موارده الطبيعية الا أنه مصنف عالميا من البلاد الفقيرة، برغم ضخامة موارده و المتمثلة في المعادن : النفط، الحديد، الذهب، النحاس، الكروم، الزنك، المايكا ومعادن اخرى والثروة الحيوانية : الإبل، الابقار، الضأن، الماعز، الطيور، الحيوانات البرية والثروة السمكية. و كذلك يمتلك السودان مساحة الأراضي الصالحة للزراعة حوالي 200 مليون فدان ( 84 مليون هكتار) و 40 مليون فدان (16.8 مليون هكتار) و المساحة الأراضي المستغلة منها حوالي 20%. هذا بالاضافة الي المحاصيل الدائمة : الذرة، الدخن، القمح، القطن، و الفول السوداني، السمسم و المحاصيل الأخرى : قصب السكر، التمور، الفواكه، الخض، زهرة الشمس، الذرة الشامية . ومن جانب أخر نجد مساحة الأراضي المروية حوالي 11 مليون فدان ( 4.62 مليون هكتار)، أما مساحة الأراضي المروية بالأمطار حوالي29 مليون فدان ( 12.18 مليون هكتار)، أما مساحة الغابات حوالي 11.6 % من مساحة البلاد .
فأين تكمن المشكلة؟
اذا اجبنا بضعف الاستثمار الوطني او المكون المحلي علي سبيل المثال، فلماذا اذن فشلت الاستثمارات الاجنبية بالنهوض بالاقتصاد الوطني؟

يبدو للوهلة الاولي صعوبة الاجابة، لان الاجابة علي السؤال متعلقة بمنظومات متكاملة سياسية و اقتصادية واجتماعية وثقافية و امنية واقليمية ودولية، و لكن يمكن وضع اطار أولي لنسهل للقارئ الكريم لاعمال العقل للاجابة النموذجية، و التي تتحول من الجانب التنظيري الي الجانب العملي، وهذا هو المطلوب اثباته، كما تقول المسائل الحسابية في مادة الرياضيات الاولية في المدارس.

في البدء لابد من تعريف مبسط للإستثمار الأجنبي بأنه. ” إسهام غير الوطني في التنمية الإقتصادية أو الإجتماعية للدولة المضيفة بمال أو خبرة، في مشروع محدد، بقصد الحصول علي عوائد مجزية، وفقا للقانون”. ويعتبر الاستثمار وسيلة مثلى لتحقيق النمو الاقتصادي المطلوب ولكن وفقا لضوابط وشروط ومعطيات وإنتاجيات محددة.
والاستثمار نوعان خاص و يتعلق بمصالح الفرد و عام يتعلق بمصالح المجتمع .. الخاص يهدف لتحقيق الربح و للإثراء مع عدم إهمال دوره في تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية.. والعام هو استثمار يهدف إلى الربح من أجل إنفاق العوائد الربحية في تطوير البنية التحتية للمجتمع وتوفير المزيد من الخدمات لأفراد المجتمع دون احتكار أو إستغلال، و عليه يمكن أن يكون هناك دور مشترك (استثمار مختلط) وهو الذي يشترك فيه الخاص مع العام عندما تلتقي أهدافهما ومصالحهما. والاستثمار الناجح هو الاستثمار المدروس وفقا لضوابط إجرائية وموضوعية ، وهو الخاضع للمصالح العليا لأي دولة مضيفة والمتعلق بتحقيق التنمية والسلام.

نجد ان هناك بعض الدول التي خاضت تجربة الاستثمار مع الأجنبي وكان الهدف النهوض باقتصادياتها وإذا به يهوى بتلك الاقتصاديات إلى الهاوية من خلال غسيل الأموال، وتهريب أموال الاستثمار، وغياب المنافسة الوطنية، و حرمان الراسمالية الوطنية بطريق غير مباشر من الاستثمارات الكبيرة، والسماح لحكومات أجنبية من الدخول برؤوس أموال كبيرة مما يشكل تهديد بالأمن الاقتصادي. وعليه يجب أن تحقق الاستثمارات الأجنبية أمتلاك الدولة المضيفة لعناصر القوة الاستراتيجية او بعضها، والتي تتيح للدولة المضيفة امتلاك ارادتها الوطنية وتوفير السند المطلوب لتحقيق استراتيجيتها الوطنية، فضلا عن تأمين المصالح الاستراتيجية الوطنية.

ومن جانب اخر لابد لنا من معرفة معوقات الاستثمارات الاجنبية و أسباب شكاوي المستثمرين و مطالبتهم بالحماية القانونية لاستثماراتهم، وذلك من خلال أهمية توفير مناخ جاذب للاستثمار و هو آس المشاكل، و هو المدخل للسؤال أعلاه:
لماذا فشلت الاستثمارات الاجنبية بالنهوض بالاقتصاد الوطني؟
ونقصد بمحددات مناخ الإستثمار الجاذب في السودان ما يلي:
اولا: الاستقرار السياسي،
و يمثل الوضع السياسي أحدي المكونات الهام لمناخ الإستثمار، والذى يُؤثر ويتأثر بالمناخ الإستثمارى العام في الدولة، خاصة وأن حالة الإستقرار في النظام السياسى تمثل عنصر سلامة وإطمئنان للمستثمر، وهذا المتغير يمثل مصدر إهتمام المستثمر لحفظ أمواله في دولة أمنة، حيث يسعي النظام الحاكم الي تحسين الصورة الذهنية عن السودان، خاصة فيما يتعلق بالسلام في دارفور وجنوب كردفان والنيل الازرق. ومن جانب آخر أوضاع حقوق الانسان والتحول الديمقراطي والحرية السياسية والإقتصادية التى تمثل محرك آخر لرؤوس الاموال، بمعنى آخر عدم إعتراض الحكومات على الشركات الأجنبية أو ورعاياها ومنعهم من الإستثمار في السودان بحجج الحرب أو غياب الديمقراطية أو إنتهاك حقوق الانسان أو دعم الارهاب، خاصة و أن هذه الاسباب أصبحت قيم تؤثر على حركة تدفق الاموال الدولية.
ثانيا: السياسات الإقتصادية،
و أقصد بها إعادة هيكلة الإقتصاد السودانى من خلال رؤية إقتصادية تهدف لتحقيق معدلات عالية من الناتج المحلى الاجمالى عن طريق تحريك الإقتصاد، ولإنفاذ هذه السياسة لابد من وضع سياست مالية ونقدية في مجال تحرير التجارة ونظام الصرف، إلى جانب وضع سياسات ضريبية محفزة، بالاضافة الي تحرير التجارة الخارجية وتشجيع الصادرات، و تحقيق وحدة الموازنة وتخفيض العجز والتحكم في حجم النقود وتخفيض معدلات التضخم وتحقيق قدر معقول من الفوارق في ميزات المدفوعات، إصلاح النظام الضريبي وتخفيض وإلغاء بعض الضرائب المباشرة وغير المباشرة وتطبيق نظام ضريبة القيمة المضافة ومراجعة فئات التعريفة الجمركية بإعفاء أو تخفيض بعض الرسوم الجمركية، كذلك زيادة الصادرات وتنوع أسواقها وتوسيع قاعدتها بدخول سلع جديدة، كذلك إستيعاب مستويات عالية من الإستثمار الأجنبي المباشر في مجال البترول والصناعة والزراعة والنقل.
ثالثا: النظام التشريعي،
و يشمل قانون تشجيع الإستثمار والقوانين ذات الصلة بالعملية الإستثمارية و التى لها علاقة مباشرة بالإستثمار، وكذلك التشديد في قوانين مكافحة الفساد و غسل الاموال وغيرها من القوانين التي تؤثر أيجابا علي مناخ الاستثمار.
رابعا: النظام الادارى،
وهو من أكثر العوامل التي تؤدي إلى اقبال او عدم إقبال المستثمرين بصفة عامة والأجانب بصفة خاصة وهو تسهيل او تعقيد الإجراءات الإدارية الخاصة بالحصول على الترخيص وتعدد الجهات لتنفيذ العملية الإستثمارية، وبحسب الممارسة العملية نجد أن هنالك تعقيداً شديداً للعملية الإستثمارية وتعدد واضح للأجهزة المسئولة عن الإستثمار من أجهزة محلية، ولائية، و أخرى إتحادية، كل ذلك يساهم في تعقيد وتطويل الإجراءات مما ينعكس سلباً على جنب المستثمرين .
خامسا: البنية التحتية،
والتي تُعد من أهم عناصر مناخ الإستثمار، ربما تحسن نسبي في مجال الإتصالات أما بقية البنيات الأساسية كالطرق والطاقة والتي تعتبر بمثابة المحرك الرئيسي للقطاعات الإقتصادية الأخرى مازالت متواضعة، و لاشك أن هنالك علاقة بين توفر البنيات التحتية والإستثمارات الأجنبية وتدفق رؤوس الأموال الوافدة للدول النامية، فقد نجحت أثيوبيا في طفرة إقتصادية في فترة قصيرة ان تجذب الاستثمارات الاقليمية والدولية بفضل البنيات التحتية.

وعليه يمكن الاشارة الي أن هذا المقال عبارة عن مقدمة أولية في مستقبل الاستثمارات الاجنبية في السودان، و نحاول من خلاله التفكير خارج الصندوق لماذا فشلت الاستثمارات الاجنبية بالنهوض بالاقتصاد الوطني؟
و يمكننا طرح بعض الاسئلة المفتاحية نحو الاجابة ، مثل الي أي مدي يمكن السير في اتجاه المعالجات الاساسية في التغييرالسياسي وتحسين الأوضاع السياسية الداخلية، مع تطوير العلاقات الدولية نحو الصداقات والشراكات الإستراتيجية، وزيادة الجهود المبذولة في تحقيق السلام ، وحل النزاعات والحروب الأهلية؟
كذلك الي أي مدي يمكن الإصلاح في مجال السياسات الإقتصادية الكلية مع زيادة معدلات النمو الإقتصادي للحفاظ على مستوى معيشي مناسب للمواطنيين؟
بالاضافة الي أي مدي يمكن الإصلاح في مجال تشريعات الإستثمار ؟
كذلك اي أي مدي يمكن بذل الجهود لتطوير المجال الإداري ورفع القدرات الفنية والإدارية للأجهزة القائمة بأمر الإستثمار؟ و كذلك الي أي مدي يمكن توفير قاعدة بيانات تفصيلية عن الأوضاع الإقتصادية والتشريعات السارية وتطوراتها وعرضها على المستثمرين الاجانب قبل وصولهم الي البلاد، مع وضع نظام مستقر للحوافز المتاحة للمشروعات المطلوبة الإستثمار فيها، وإعلان ذلك عبر آلية نشطة للترويج الداخلي والخارجي؟
كما نتساءل هل يمكن توفير كادر بشري نزيه و مدرب لكي يتعامل مع المستثمر الأجنبي وفق الوظيفة والمصالح العليا للبلاد؟
هي أسئلة غير تعسفية و لكنها ستظل أسئلة قائما الي حين.

Loading

شارك على
أكتب تعليقك هنا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.