آخر الأخبار
The news is by your side.

مفاهيم إسلامية : الشفاعة

مفاهيم إسلامية : الشفاعة

  بقلم: د. هاشم غرايبه

الشفاعة مصطلح إسلامي بامتياز، ومعناه اللغوي التوسط لدى المتشفع عنده لأجل العفو عن المتشفع له، وبديهي أن المتشفع يجب أن يكون له شأن كبير عند المتشفع عنده، ومقرب لديه، حتى يقبل شفاعته.

من المهم للمسلم فهم كل ما يتعلق بهذه المسألة، كونها واحدة من أعظم المكرمات التي حبى الله بها أمته، خاصة وأنها قد تكون طوق النجاة المنجي من النار، والملاذ الأخير لمن لم تثقل أعماله موازينه يوم القيامة، والتي نتيجتها مرعبة: “وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ” [القارعة:8].

بداية، علينا أن نعلم أن الشفاعة العظمى هي استحقاق لمن ينيله الله الوسيلة، وهي المرتبة العليا بين البشر، سيمنحها الله يوم الحساب، بعد توزيع الصحف، وهذه المكرمة الإلهية سينالها واحد فقط من البشر، ويأمل رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكون هو، بناء على وعد الله رسوله الكريم أن ينيله إياها يوم الحساب، بقوله تعالى: “عَسَىٰ أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا” [الإسراء:79].

لذلك فنحن أتباعه ومحبيه، ندعو الله عقب كل أذان أن يؤتيه صلى الله عليه وسلم إياها، فبعد أن نصلي ونسلم عليه، ندعو بالدعاء المأثور: “اللهم رب هذه الدعوة التامة، والصلاة القائمة، آت محمدًا الوسيلة والفضيلة، وابعثه مقامًا محمودًا الذي وعدته”، وكلنا أمل أن ننال شفاعته ذلك اليوم العصيب.

على أنه علينا أن نعلم أن الشفاعة ليست تحصيل حاصل، ولا هي استحقاق لمجرد كون المرء من أمة محمد عليه الصلاة والسلام، بل هنالك جملة من المحددات والضوابط يجب فهمها بعناية:

1 – إنه لا يتوافق مع العدالة الإلهية أن يساوي الله عند الحساب بين من اتقاه، واجتهد في الدنيا لنوال ثوابه، فآمن وعمل صالحا ، وبين من قعد عن ذلك ومنى نفسه بنوال الشفاعة، لذلك فالشفاعة تكون في عفو الله عن المتقين أصلا لكنهم قصرت بهم أعمالهم، بإنجائهم من النار: “وَيُنَجِّى ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَوْاْ بِمَفَازَتِهِمْ لَا يَمَسُّهُمُ ٱلسُّوٓءُ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ” [الزمر:61].

2 – الحساب أمره عسير على من اجترحوا السيئات، ولخطورة ذلك اليوم فقد اعتبر الله الفوز عظيما لمن نجا من النار: “فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ” [آل عمران:185]، لأن كل البشر سيمرون أولا على النار مؤمنهم وكافرهم: “وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا”، ليروا صدق ما أنذرهم به الله على لسان رسله ” ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا” [مريم:72 ]، من هنا نفهم عظم دور الشفاعة.

3 – الشفاعة ليست مقتصرة على من ينال الوسيلة، فقد يؤتيها الله لعباده المحسنين، بدلالة قوله تعالى: “مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِندَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ” [البقرة:255]، ويتفاوت عدد من ينالون شفاعة الشفيع بحسب علو درجته عند الله، لذلك حثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على مصادقة الأخيار المتقين، والتقرب من المحسنين، وملازمة العلماء المصلحين، فقال:”المرء على دين خَليله، فلينظر أحدُكم مَن يُخالِل”، وقال: “المَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ”، فقد يكون لأحد هؤلاء كرامة عند الله فيتشفع له.

4 – من شروط نوال الشفاعة أن لا يكون المرء من الفئة التي سماها الله (المجرمين)، وهم من تنطبق عليهم المواصفات التي ذكرها تعالى في سورة المدثر، وانقضت حياته وهو عليها: “قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ . وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ . وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ . وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ . حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ”، لذلك قال في الآية التي تليها: “فَمَا تَنفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ”.

5 – كما أنه لا تقبل الشفاعة في من مات على الشرك أو الكفر أو النفاق، ولم يتب ويصلح، فلا يدخل الجنة “إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ” [الشعراء:89].

فمن اتبع مخلوقا في معصية الله مشرك، فقد يقبل الله الشفاعة في العصاة والمقصرين، ولكنه لا يقبلها في المشرك: “إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ” [النساء:48].

كما أنه من المنطقي أن يحرم الله الجنة على الكفار الذين أنكروا وجودها.

وأما المنافقون فقد أعد الله لهم الدرك الأسفل من النار.

Loading

شارك على
أكتب تعليقك هنا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.