آخر الأخبار
The news is by your side.

معضلة الاستيراد ومعايير المستورد … بقلم: دكتور/ النور حمد

معضلة الاستيراد ومعايير المستورد … بقلم: دكتور/ النور حمد

 

لقد أشرت مرات عديدات إلى أننا ننشغل بالسياسة عن السياسات. فالسياسة politics تختلف عن السياسات policies. فالأولى يسودها التنافس بين القوى السياسية المختلفة من أجل الوصول إلى كراسي الحكم. وقد تجري ممارستها بأخلاق، أو بغير أخلاق.

خاصة، حين ينحصر هم السياسي في الكرسي والوجاهة والفرص التي تجلب الثراء الشخصي، له ولمحاسيبه. أما السياسات فهي الخطط التنموية والإصلاحية، إضافة إلى القوانين والقواعد والضوابط التي تضبط أداء جهاز الدولة ليكون خادما للصالح العام. ويدخل إحكام تطبيق معايير صارمة على ما نستورد من سلع ،في إطار السياسات الراشدة.

سبب اختيار هذا الموضوع لعمود اليوم، هو ملاحظتي رداءة الصنعة في كثير مما نستورده من سلع. فنحن نستورد السلع بالعملة الصعبة. واستيرادنا سلعا متدنية الجودة، يعني المزيد من إهدار العملة الصعبة. يضاف إلى ذلك، إثقال كاهل المستهلك المحلي باستنزاف جيبه باستبدال تلك السلعة بسلعة أخرى ردئية الصنع، أو القيام بصيانة مستمرة لتلك السلعة التي اشتراها.

لهذا السبب أنشأت الدول هيئات لمعايير الجودة، للتأكد من أن كل سلعة مستوردة مستوفية لمعايير الجودة الموضوعة. فالصانع يهمه تحقيق أكبر هامش ممكن للربح. وإنتاج سلع متدنية الجودة يتيح ذلك الهامش الكبيرا للربح. كما يتيح أيضا انتشارا أوسع للسلعة. لأن تدني ثمن السلعة، بسبب قلة جودتها، يجعلها في متناول قطاع أوسع من المشترين. كما أن السلعة جيدة الصنع تدوم طويلا، ويتسبب هذا في إبطاء معاودة انتاجها.

وقد أدرك المنتجون ذلك وأصبحوا يتعمدون إنتاج سلع لا تدوم طويلا. وبما أن المشتري ليس خبيرا في معايير الجودة، ولا يستطيع أن يجري اختبار للجودة بنفسه، فهو يعتمد على حكومته في الحماية.

من إحسان السياسات، قفل باب استيراد السلع التي يمكن أن يجري إنتاجها محليا. فكثيرا ما يجري فتح باب الاستيراد لسلع يمكن أن يجري إنتاجها محليا، ما يوفر على البلاد عملات حرة، ويمنح الصناعات الوطنية فرصة للتطور. لكن حين يكون الاستيراد خادما للثراء الشخصي، وفق منظومة التحالف المعروفة بين السياسيين وأصحاب العمل، تجري التضحية بالصالح العام، لكي تمدد فرص الصالح الخاص. بل يجري قتل الصناعات المحلية عمدا، لتتسع دائرة الاستيراد للمستفيدين من الاستيراد. الأمر الذي يعيق التطور الصناعي للبلاد.

ولقد استشرى هذه التوجه في حقبة الإنقاذ البائدة، التي أصبحت فيها المصالح الشخصية المتحكم الرئيس في السياسات وعلى رأسها سياسات الاستيراد والتصدير. وامتلأت متاجر البلاد بطائفة ضخمة من المصنوعات ردئية الصنع. من ذلك، على سبيل المثال، الأدوات الكهربائية، من مصابيح إضاءة، ومفاتيح، قصيرة العمر، ووصلات كهربائية تتلف بسرعة او تشتعل أحيانا. ومن سيارات لا توفر أي حماية لسائقيها في الحوادث المرورية.

ومن ذلك أيضا الأبواب الصينية التي تتلف أقفالها ومقابضها بصورة لافتة وأصعب صيانتها. وهذا غيض من فيض من السلع متدنية الجودة التي تزحم أرفف متاجرنا المختلفة. وفي هذا دليل على أن معايير الجودة لدينا ليست وافية، او انها لا يجري تطبيقها بصورة دقيقة على كل ما نستورد.

لا تدخل صناعة الأثاث وصناعة الأبواب والشبابيك في باب الصناعات التي تتطلب تكنولوجيا عالية. وكان من الممكن أن تتجه سياستنا على التضييق على المستورد وتشجيع المحلي، لتنهض صناعتنا فنكتفي محليا، بل ونصبح مصدرين لدول الجوار. وعلى سبيل المثال، ظل طلاب كلية الفنون ينتجون، منذ منتصف القرن الماضي، خزفا لا يقل جودة عن الخزف الصيني، يجري استخراجها من جبل المرخيات ومن مروي. لكن أحدا لم يستثمر في ذلك.

ولكلية الفنون قسم للتصميم الصناعي منذ سبعينات القرن الماضي، ربما لم يسمع به أكثرية السودانيين. خلاصة الأمر أن مواردنا مهدرة ومعارفنا ومهاراتنا مهدرة. وسياساتنا بلا بوصلة. والمشكلة تكمن في السياسيين ضامري الخيال، محدودي المعارف، الذين ظلوا يقودننا من الاستقلال وحتى يومنا هذا.

التيار

Loading

شارك على
أكتب تعليقك هنا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.