آخر الأخبار
The news is by your side.

 لغتنا الجميلة: لماذا نقرأ في سورة الشرح؟

 لغتنا الجميلة: لماذا نقرأ في سورة الشرح؟

بقلم: د. هاشم غرايبه

وردني تساؤل: لماذا نقرأ في سورة الشرح: “ألم نشرح لك صدرك” (ألم)، كلمة لها معنى، فيما تقرأ بداية سورة البقرة: ألف لام ميم كحروف مقطعة؟.

الإجابة المختصرة هي الموقع من الجملة، فقد جاءت الحروف الثلاث في بداية سورة البقرة منفصلة عما بعدها، وأما في سورة الشرح فكانت استفهاما.

وللتفصيل: فقد ظلت معرفة معاني ودلالات الحروف المقطعة في أوائل تسعة وعشرين سورة من القرآن الكريم، سرا خافيا، وواحدا من إعجازاته، ولما لم يفسرها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد اختلفت الآراء في معانيها.

بحثت في أحد جوانب تفرد اللغة العربية بين سائر اللغات وهو غنى معاني حروفها، فوجدت أنه رغم أن حروف الهجاءِ يقال لها حروف المباني، أي أنها بذاتها ليس لها معنى، فلا يتألف المعنى إلا باجتماع عدد منها، لكن الحرف بذاته له دلالة، فوجود حرف السين في الكلمة يعطيها جرسا موسيقيا ودلالة حسية، وحرف الغين يضفي الغياب مثل: غيبه، غفلة، غيبوبه، غفوه، غائم، وأما حرف الحاء فيوحي غالبا بالصحيح أو المحبب، مثل حب حليب حوار حميم حنين.. وهكذا.

إن هنالك في اللغة ما يسمى بحروف المعاني، كلها مبنية وعددها تسعة وسبعون، وهي على أربعة أقسام: أحادية، وثنائية، وثلاثية، ورباعية.

الأحادية ثلاثة عشر وهي: الهمزة والألف والباء والتاء والسين والفاء والكاف واللام والميم والنون والهاء والواو والياء.

وأما الثنائية فستة وعشرون وهي: آ وإذ وأل وأم وأن وإن وأو وأي وإي وبل وعن وفي وقد وكي ولا ولم ولن ولو وما ومُذ ومِنْ وها وهل ووا ويا والنون الثقيلة.

وأما الثلاثية فخمسة وعشرون وهي: آي وأجَلْ وإذا وإذنْ وألا وإلى وأما وإنَّ وأنّ وأيا وبلى وثم وجَلَلْ وجَيْرِ وخلا ورُبَّ وسوف وعدا وعَلَّ وعلى ولاتَ وليت ومنذ ونَعَمْ وهَيَا

وأما الرباعية فخمسة عشر وهي: إذما وألاّ وإلاّ وأمّا وإمّا وحاشا وحتى وكأن وكلا ولكنْ ولعلّ ولمّا ولولا ولوما وهلاَّ

الحروف تنقسم إلى أصناف فكل طائفة منها اشتركت في معنى أو عمل تنسب إليه فيقال:

(أحرف الجواب) لا وكلا ونعَمْ وبلى وإي وأجَلْ.

و(أحرف النفي) لم ولمّا ولن وما ولا ولات.

و(أحرف الشرط) إنْ وإِذا ولو ولولا ولوما وأمّا.

و(أحرف التحضيض) ألا وألاّ وهلاّ ولولا ولوما.

و(الأحرف المصدرية) أنّ وأن وكي ولو وما ومَنْ.

و(أحرف الاستقبال) السين وسوف وأنْ وإنْ وهل.

و(أحرف التنبيه) ألا وإما وها ويا.

و(أحرف التوكيد) إنّ وأنّ والنون ولام الابتداء وقد.

ومن ذلك حروف الجر والعطف والنداء والإستفهام ونواصب المضارع وجوازمه.

وتنقسم الحروف إلى عاملة كأنَّ وأخواتها وغير عاملة كأحرف الجواب.

وتنقسم أيضاً إلى مختصة بالأفعال كأحرف التحضيض، ومختصة بالأسماء كحروف الجر، ومشتركة كـ: ما ولا النافيتين، والواو والفاء العاطفتين.

هكذا نجد أن الحروف المقطعة في فواتح بعض السور مختلفة عن كل ما ذكرنا، وتعددت أقوال علماء التفسير:

القول الأول: أنها بهدف إعجاز من يعتقد أنه يمكنه أن يأتي بمثل آيات القرآن الكريم، فهذه أربعة عشر حرفا هي نصف حروف الهجاء، فليأت من يمكنه بآية من مثل هذا القرآن.

القول الثاني: أنها أحرف دالة على أسماء النبي الكريم بدلالة أن ما يتلوها خطاب له صلى الله عليه وسلم.

وأما الثالث: أنها أوائل أسماء الله الحسنى، ومن مجموع الأحرف يتكون إسم الله الأعظم، الذي لم يعلمه لأحد من البشر.

والقول الرابع: ان لها دلالات لم نعلمها بعد، مثل كثير من الأمور التي لم نكن نعلمها وقت النزول، ثم علمناها بعد أن تقدمت وازدادت معارفنا، بدليل عدم تفسير النبي صلى الله عليه وسلم لها، لأنها لو فسرها بمعناها المراد لما تقبله الأقدمون، ولو كان بحسب استيعابهم لما تقبلها اللاحقون.

وهذا التفسير برأيي هو الأرجح، لأن القرآن الكريم كتاب يتضمن كلام الخالق بلغة يفهمها البشر، أنزله عليهم في زمن اختاره، بحيث تكون معارفهم قادرة على استيعابه، لكنه أودع فيه من الأسرار التي لا تفهم في وقت نزوله، بأن جعل إعجازه اللغوي الباهر حاملا ألفاظا ثابتة، لكن معانيها قابلة للتطور والفهم، بحسب تطور الفهم البشري القادم، لكي تُعرفَ في الزمن المناسب.

Loading

شارك على
أكتب تعليقك هنا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.