آخر الأخبار
The news is by your side.

صفقة وثيقة المحامين الدستورية..الحصانة مقابل السلطة

صفقة وثيقة المحامين الدستورية..الحصانة مقابل السلطة..! (١)

بقلم: وائل محجوب

• المحادثات الجارية بين قوى الحرية والتغيير “المجلس المركزي” وقادة الانقلاب العسكري، والتي تتم برعاية من الآلية الثلاثية “الاتحاد الافريقي، الأمم المتحدة والايقاد”، والآلية الرباعية “الولايات المتحدة، بريطانيا، الامارات، والسعودية”، والتي تمخضت عنها الوثيقة الدستورية بتعديلاتها الأخيرة، لا يمكن وصفها بالتسوية أو العملية السياسية، هي أقرب لكونها “صفقة سياسية”، صاغت معالمها القوى الدولية وفرضت إرادتها على المتفاوضين، ليقبلوا بخيارات ما كان لهم أن يقبلوها لو ترك أمر التفاوض لأي منهما.

• هذه الصفقة وببساطة تقوم على تنازلات جراحية؛

– تنازلت الحرية والتغيير عن العدالة الشاملة وملاحقة قادة العسكر الذين قاموا بالانقلاب في ٢٥ اكتوبر، وتورطوا بحكم مسئوليتهم على رأس القوات النظامية فيما سبقه وتلاه من جرائم تلاحقهم، ويحاصرهم بها الشارع ومنظمات حقوق الانسان محليا واقليميا ودوليا، وتنذرهم بالملاحقة والعقوبات الدولية، وعلى راس ذلك قانون دعم الانتقال الديمقراطي المجاز من قبل الكونغرس الامريكي، ويتم استخدامه كواحد من أهم كروت الضغط بواسطة الوسيط الامريكي في مواجهتهم، ابتدأ من فض اعتصام القيادة وانتهاء بجرائم قتل ودهس وتعذيب الثوار عقب انقلابهم، فقبلت الحرية والتغيير مبدأ الحصانة من المحاسبة لهم وارتضت ان تطال العدالة من هم دونهم من منفذي الجرائم.

– وتنازل العسكر عن قبضتهم كمقابل لذلك على أهم مفاصل السلطة، التي ظلوا مهيمنين عليها منذ عهد المجلس العسكري عقب سقوط البشير، ومرورا بالحكومتين الانتقاليتين وانتهاء بمرحلة ما بعد الانقلاب، وهي بمثابة العصب الحي للسلطة ممثلة في؛ الأجهزة الأمنية والشرطية، الجهازين العدلي والقضائي، البنك المركزي، الخدمة المدنية، والقبول بعملية تفكيك التمكين في كل هذه المؤسسات وعدم اعتراضها واعاقتها والمساعدة على انجازها، والقبول بتفكيك التمكين حتى على مستوى القوات المسلحة، واستعادة الدولة لسيطرتها على الشركات التابعة للأجهزة النظامية، فيما عدا تلك العاملة في المهمات والاغراض العسكرية، وكل شركات واسهم وعقارات وممتلكات المؤتمر الوطني، إذ ستؤول جميعها لولاية وزارة المالية بحسب الوثيقة.

• لذلك يمكن تلخيص هذه الصفقة في عبارة واحدة “الحصانة مقابل السلطة”، وهي معادلة لا تستطيع قوى الحرية والتغيير والأحزاب والقوى التي ساندت اعلانها السياسي الوصول الى تحقيقها وفرضها، في ظل المواقف المعلنة للشارع الثوري وللقوى التي تشكل معادلاته للتغيير الجذري، مثل لجان المقاومة والقوى السياسية التي تدعم هذا الخيار مثل البعث والشيوعي، بجانب اصحاب الحق الاصيلين في هذه المعادلة، أسر الشهداء والذين لا تستطيع أي جهة التفاوض أو تقديم ضمانات العفو نيابة عنهم.

• ولذلك لجأت قوى الحرية والتغيير “المجلس المركزي”، لتقسيم عملية الاتفاق السياسي لمرحلتين، الأولى هي الاتفاق الإطاري مع العسكر، والثانية كما أسمتها هي اطلاق حوار مع اصحاب المصلحة يشمل أربعة ملفات هي؛ العدالة الانتقالية، اصلاح المنظومة الامنية والعسكرية، تفكيك التمكين، ومراجعة اتفاقية جوبا واستكمال السلام، على أمل أن يحدث ذلك اختراقا جماهيريا يدفع باتفاقها السياسي للأمام.

• وقد اصطدمت قوى الحرية والتغيير عبر اجتماعين بأسر الشهداء، حاولت من خلالهما شرح رؤيتها حول العدالة الانتقالية، باعتبارها أخطر القضايا التي تواجهها مع الشارع الثوري، ولم تصل لنتيجة حاسمة تعزز موقفها وموقعها من صفقة الانتقال هذه، وهي تحاول عبر طرح القضية كواحدة من القضايا للتداول الجماهيري ومع اصحاب المصلحة وصولا لتصميم عملية شاملة للعدالة الانتقالية وفق ما ذكر متحدثون عنها، إحداث اختراق يشرك الأخرين معها في مسئولية قرار التسوية النهائية مع العسكر.

• لقد ظلت قضية الحصانة هذه تشغل القادة العسكريين، وفي اعقاب انقلاب ٢٥ اكتوبر، طرح ممثلو بعض الدول الاوربية على قادة سياسيين منهم قادة في تحالف الحرية والتغيير، فكرة الخروج الآمن للعسكر من السلطة، وقبل أن يفكر هولاء القادة فيما طرح عليهم حتى، أبدى العسكريون تشككا واعادوا التذكير بواقعة التزام القوى السياسية للفريق ابراهيم عبود وقادة انقلاب نوفمبر خلال ثورة اكتوبر ١٩٦٤م بالعفو عنهم وعدم محاكمتهم مقابل تسليم السلطة، وبمجرد خروجهم من السلطة وفي اعقاب ليلة المتاريس الشهيرة تم القاء القبض عليهم وتمت محاكمتهم لاحقا، فتوقفت على أثر ذلك هذه الدعوات إذ لم يجد العسكر إجابة لسؤال الضمانات.

• هواجس العسكر هذه تفسر اصرارهم على الرغم من تضمين الوثيقة الدستورية للجنة التسييرية للمحامين، مادة واضحة حول الحصانة تجاه كل الجرائم التي وقعت خلال توليهم السلطة قبل وبعد انقلابهم، على وجودهم داخل مؤسسات السلطة وعلى رأس القوات النظامية، فهذه بالنسبة لهم هي الضمانة المادية الوحيدة التي توفر لهم الحماية، وليس أي مواد دستورية قابلة للتعديل والالغاء بحسب تداعيات المواقف السياسية.

• ولعل ذلك ما يفسر هذا الغموض الذي اكتنف توضيح سلطات وصلاحيات مجلس الامن والدفاع وعدم تضمين ملاحظاتهم حوله، وصمتهم عن الخلل الذي حملته الوثيقة الدستورية في هذا الاطار، حينما حددت رأس الدولة قائدا أعلى للقوات النظامية “القوات المسلحة، والدعم السريع، المخابرات العامة والشرطة” وهو بحسب الوثيقة المطروحة قد آلت اليه سلطات رئيس الجمهورية في هذا الأطار، وأعطت رئيس الوزراء سلطة الأشراف على جهاز المخابرات العامة والشرطة اعفاء وتعيينا، وحددته رئيسا لمجلس الأمن والدفاع، بينما كان الأولى ان يرأس هذا المجلس رأس الدولة باعتباره القائد الأعلى للقوات العسكرية والأمنية، ولم تحدد أي وضعية في هذا الشأن تحدد طبيعة هذه العلاقة، أو أن تؤول كامل الصلاحيات في هذا الاطار لرئيس الوزراء باعتباره يمثل رأس السلطة التنفيذية، في نظام برلماني، وطالما اعتبر أن رأس الدولة منصب تشريفي، ويصبح بذلك ترؤوسه لمجلس الأمن والدفاع مفهوما وبكامل الصلاحيات المطلوبة، وهذا ما لم يحدث حسب الوثيقة، مما يشير لإزدواج وخلل ربما يكون متعمدا.

• اما الخطة السياسية التي لجأت اليها الحرية والتغيير لمواجهة التصدعات السياسية التي تعرضت لها، فهي الانفتاح على قوى سياسية لم تكن جزءا من قوى الثورة، بل كان بعضها شريكا للنظام البائد حتى لحظة سقوطه، مثل المؤتمر الشعبي والاتحادي الاصل، وانصار السنة، وهذا وحده كاف لتبين آثار الصفقة السياسية ورعاتها، إذ ظلت الدول القائدة لعملية الحوار تطرق كثيرا على توسيع قاعدة الانتقال باشراك طيف من قوى سياسية واجتماعية مختلفة بشكل يحصن عملية الانتقال، وهم في ذلك يتلاقون مع ما ظل يردده قادة الانقلاب في ذات الاطار، وتحقق ذلك عبر حوار وثيقة المحامين يكشف عن تحولات في المواقف افضت لبروز تكتل أو سمها حاضنة جديدة، اختلط فيها جديد التسوية بقديم مترتبات حلفاء النظام البائد، ليصنع ذلك المسار طريقا متعرجا، لا يفضي الإ للصفقة السياسية التي أشرنا اليها ابتدأ.. وسينتهي لنظام انتقالي جديد لا صلة له بكل ما جرى منذ اغسطس ٢٠١٩م وحتى ٢٥ اكتوبر ٢٠٢١م، وسيكون نظاما أقل تاييدا ودعما جماهيريا، بل يمكن القول انه سيواجه بتصعيد واسع النطاق، نظرا للطريقة التي أدارت بها الحرية والتغيير عملية التفاوض بإتباعها نهج السرية خلال مراحل التفاوض المختلفة، وتوصلها لتفاهمات في قضايا لا تملك البت فيها، بمعزل عن اصحاب الحق بتلك المواد التي حملتها الوثيقة الدستورية.

• ربما أن هناك جهات دولية كبرى قد احكمت فرض مشيئتها على جميع أطراف الملعب السياسي، وانتزعت تلك التنازلات الصادمة لكل المعسكرات والتي لا يدري أحد منتهى ردود الأفعال حيالها، وذلك ما دفع جهات عدة للتسابق لقطع الطريق لما يجري، في سباق مكشوف للقوى الاقليمية والدولية، وما عودة رئيس الحزب الاتحادي وتسابق ابنائه نحو هذه الكتلة وتلك، الإ ملمحا لصراع إرادات القوى الاقليمية والدولية المختلفة في الساحة السودانية، وأذرعها المخابراتية، بعد ما استبان للجميع فشل الانقلاب، والسباق الأن لتشكيل ما بعد مرحلته، وكل يسعى لتمرير أجندته.

(نواصل)

Loading

شارك على
أكتب تعليقك هنا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.