آخر الأخبار
The news is by your side.

 شفاء للقلوب: في الآية 27 من سورة الأنفال

 شفاء للقلوب: في الآية 27 من سورة الأنفال

بقلم: د. هاشم غرايبه

يقول تعالى في الآية 27 من سورة الأنفال:” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ”.

تضمنت هذه الآية الكريمة نهيا للذي آمنوا عن أمرين هامين يمكن أن يقع فيهما المؤمن وهو غافل عنهما: أولهما خيانة الله ورسوله، والثاني خيانات الأمانات الأخرى.

الخيانة الأولى متعلقة بعدم الوفاء بوعدهم بالإيمان بربوبية الله يوم خلق ذرية آدم:”وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ” [الأعراف:172]. ولذلك أوجد فيهم فطرة التدين، بدليل أن المرء عند الضيق أو عند شعوره بانسداد سبل النجاة يهتف مستغيثا بالله ولو كان غير متدين.

الخيانة الثانية هي الأمانة الأخلاقية، والتي ربطها الله بالأولى لأنها مرتبطة جدليا بها، فمن تجنب الأولى فلا شك أنه الأحرى بأن يتجنب الثانية لأن ذلك انعكاس لصدق التزامه بالأمانة الإيمانية.

الأمانات عديدة وتركها رب العزة من غير تحديد ولا حصر، لأنها مستجدة متطورة على مر العصور، وهي تشمل كل عمل أو وظيفة يقوم بها المرء فيها مصلحة للآخرين، وإليه وحده يعود تقدير ضرورة ما يفعله.

فالطبيب الذي يطلب من المريض قائمة طويلة بتحاليل مخبرية لتنفيع صاحب المختبر وهو يعلم بعدم لزوم بعضها هو خائن لأمانته، وكذلك من يكتب وصفة بأدوية غالية لها بديل أرخص لصالح شركات أدوية قد ينال منها نفعا.

ومثله أيضا طبيب الأسنان الذي يقرر قلع ضرس مع أنه يمكن إصلاحه، لأن تركيب ضرس مكانه يحقق له مردوداً أعلى.

والمزارع الذي يرش محصوله بمبيدات ثم يقطف المحصول قبل ضمان مرور فترة كافية لزوال السمية هو خائن لأمانته.

والتاجر الذي يستغل حاجة الناس وقلة البضاعة ليزيد في السعر.

والموظف الذي يقضي وقتا مبالغا فيه في الوضوء والصلاة خلال دوامه الرسمي، فيعطل مصالح المراجعين يخون الأمانة.

وفي كل مهنة أخرى هنالك أمانة في أداء العمل على الوجه الأمثل، متروك تقديرها للشخص نفسه.

هذا هو الدين، ولهذا أنزله الله للناس، فهو أعلم بطبائعهم ونزعاتهم، ويعلم أنه لا يمكن ضبط سلوكاتهم على الاستقامة إلا بوازع من داخلها، وبرقابة داخلية، لذلك يسمي الناس الشخص الأمين في عمله ” عنده دين”، والخائن لأمانته “قليل دين”.

Loading

شارك على
أكتب تعليقك هنا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.