آخر الأخبار
The news is by your side.

شفاء للقلوب: في الآية 186 من سورة البقرة

شفاء للقلوب: في الآية 186 من سورة البقرة

بقلم: د. هاشم غرايبه

يقول تعالى في الآية 186 من سورة البقرة: “وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌۖ أُجِيبُ دَعۡوَةَ ٱلدَّاعِ إِذَا دَعَانِۖ فَلۡيَسۡتَجِيبُواْ لِي وَلۡيُؤۡمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمۡ يَرۡشُدُونَ”.

هذه الآية محكمة وفيها حكم عام، لكن موقعها جاء في سياق آيات الصيام، فما سبقها وما تلاها تتناول الصيام وأحكامه، فما الحكمة من ذلك؟.

نلاحظ أن الصياغة جاءت تكليفية، فالله تعالى كلف رسوله الكريم بالإجابة على مسألة لم يُسأل عنها بعد، بدلالة ورود (اذا) الشرطية، فالصياغة القرآنية في الإجابة لما سئل عنه تكون (ويسألونك عن)، لذا فهو استباق لما قد يسأل الناس النبي صلى الله عليه وسلم عنه، لتكون الاجابة الحاضرة: (إني قريب)، حيث اختصر تعالى جواب الشرط المفترض أن يكون: (فقل لهم إني قريب)، لتكون الإجابة مباشرة من الله، لتفيد القرب اللصيق.

وذلك – ولله المثل الأعلى- مثل من يأتي لزيارة صديق فيسأل ابنه من الباب: أين الوالد؟، فيسارع الأب الذي في الداخل بالترحاب ولا ينتظر جواب ابنه له، بل يدعوه للدخول فورا.

وقرب الله من عبده هو بهدف الرعاية والعناية، مثل قرب الأم من وليدها، فهي تحرص على أن يبقى دائما تحت بصرها وفي مجال سمعها، لتلبي احتياجاته فورا بلا تأخر.

على أنه يجب أن نعلم إن قرب الله ليس مكانيا مثل قرب البشر، بل هو مطلق لأن قدراته لا تحدها المسافات ولا العوائق، لذلك فهو حاضر على الدوام، ينتظر استغاثة عبده به ليجيبه، ويترقب طلبه الاستعانة به ليعينه … ما عليه إلا الدعاء.

جاء بعدها قوله تعالى: “فَلۡيَسۡتَجِيبُواْ لِي وَلۡيُؤۡمِنُواْ بِي”، كأمرين معطوفين على فعل الدعاء، بأداة العطف (الفاء)، التي تفيد التتابع الفوري، لتدل على وجوب تلازم فعلي استجابة البشر لله وإيمانهم به، مع الدعاء، لتتحقق استجابة الله لطلبهم.

هنا نفهم الحكمة من قطع سياق آيات أحكام الصيام بهذه الآية المطمئنة لقلوب عباد الله المؤمنين.

فقد فرض الله الصيام عليهم ليرسخ فيهم مبادئ التقوى: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ” [البقرة:183]، والذي يرتكز على الاستجابة لأوامر الله ونواهيه، فكأنه تعالى يريدنا أن نفهم نحن الذين استجبنا وأطعنا فصمنا، أنه ما كتب علينا الصيام إلا لكي يزكي نفوسنا بالتقوى، ويفتح لها بذلك أبواب رحمته فيؤهلها لاستقبال كرمه وعطائه باستجابته لأدعيتنا.

وتنتهي الآية الكريمة بإحدى لطائف القرآن العظيم، وهي المتضمَّنة في قوله تعالى: “لَعَلَّهُمۡ يَرۡشُدُونَ”، فقد استعمل تعالى (لعل) التي تفيد التعليل المرجو، ولم يستعمل (لكي) التي تفيد التعليل المحقق، لأنه أراد أن يوضح أن الرشد (أي النضج واكتمال الصلاح) المرجو تحققه، يحتاج استدامة الاستجابة لله والإيمان به، والمواظبة على ذلك، الى أن يتحقق الرشد، بالوصول الى المراتب العليا من الإيمان، أي الإحسان، وعندها لا يصبح الحافز للتقوى خوفا وطمعا فقط، بل علاوة على ذلك محبة وإخلاصا لله تعالى.

Loading

شارك على
أكتب تعليقك هنا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.