آخر الأخبار
The news is by your side.

ساخر سبيل … بقلم:  الفاتح جبرا .. خطبة الجمعة

ساخر سبيل … بقلم:  الفاتح جبرا .. خطبة الجمعة

إنَّ الْحَمْدَ لِلهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِىَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.

أَمَّا بَعْدُ:
إن أغلى ما يملك المرء بعد دينه في هذه الحياة الدنيا هو الوطن، وما من إنسان إلا ويعتز بوطنه، لأنه مهد صباه ومرتع طفولته، وملجأ كهولته، ومنبع ذكرياته ، وموطن آبائه وأجداده ، ومأوى أبنائه وأحفاده ، وحب الأوطان غريزة متأصلة في النفوس ، تجعل الإنسان يحس بالراحة في البقاء فيه ويحن إليه ما أن يغيب عنه ، ويعتريه الحزن والأسى إذا رآه تحدق به الأخطار من كل جانب .
نعم .. الوطن هو الأرض التي مشينا وتربينا وعشنا عليها، وهو السماء التي تظلنا وتضيء لنا بشمسها النهار وتنير لنا بقمرها الليل، وهو الماء الذي نشربه، والهواء الذي نستنشقه، والتراب الذي نسير عليه وهو الشوارع التي نسلكها، والمساجد التي نصلي فيها، والمدارس التي نتعلم فيها، والحدائق التي نخرج إليها، وهو بيوتنا وأموالنا وأهلونا وآباؤنا وأمهاتنا وأولادنا وجيراننا وأصحابنا وزملاؤنا، وهوالمعلمون الذين نهلنا العلم منهم وتربينا ونشأنا على أيديهم…

أيها المسلمون :
إن حب الوطن ليس مجرد كلمات تقال أو شعارات ترفع، إنما هو سلوك وتضحيات، الجندي بثباته وصبره وفدائه وتضحيته، والشرطي بسهره على أمن وطنه، والمزارع في حقله والعامل في مصنعه والطبيب في مستشفاه والمعلم في مدرسته والمهندس في موقعه كل منهم يقدم الكثير في خدمة وطنه ويثبت به بالعمل ان حبه للوطن ولاء وعطاء لا حديث وأحلام وأماني.
ومما لاشك فيه أن خدمة الوطن شرف عظيم، والعمل على بناء الدولة ورفعتها ورقيها وتقدمها مقصد شرعي ووطني، لأن حب الوطن والولاء والانتماء له وإدراك مكانته قيمة إنسانية راقية، لا يشعر بها ولا يقوم بواجبها إلا أصحاب الفطرة السليمة، والمبادئ القويمة، فالوطن ليس مجرد بقعة من الأرض نعيش عليها، فالوطن حياة وهوية وأمانة.

أيها المسلمون:
لقد اقترن حب الأرض في القرآن الكريم بحب النفس، فقال تعالى (وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِن دِيَارِكُم مَّا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِّنْهُمْ ۖ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا )، فلقد بينت الآية شدة تعلق النفس السوية بوطنها، وأن الإبعاد عنه عقوبة مؤلمة، لذا جعل الشرع الحنيف الإبعاد عن الوطن عقوبة للمفسدين في الأرض، قال تعالى (إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلَافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ۚ ذَٰلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا ۖ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ)، والمتأمل في سيرة النبي الكريم يجد أنها مليئة بالمواقف والأحداث التي تدل على حبه لوطنه وشوقه إليه، ودفاعه عنه، سواء حيث نشأ بمكة، أم حيث أقام بالمدينة.
ومن أولى الواجبات في هذه الأيام إدراك قيمة الوطن والشعور بمكانته، خاصة في ظل الظروف والتحديات التي تمر بها البلاد، لذا يجب علينا نشر ثقافة الولاء والعطاء والفداء بين الشباب من خلال المناهج الدراسية، والندوات والبرامج الإعلامية، فالوطن هو السفينة التي يجب على الجميع الحفاظ عليها حتى تنجو وننجوا معها.

أيها الأحباب :
لا ينبغي أن يكون شأننا مع أوطاننا قائما على حساب المصالح والمكاسب والمحاصصات، فمن أُعطي ما يريد بحق أو بدون حق رضي، ومن لم يُعط ما يريد ولو بغير حق انتفض وحمل السلاح وقطع الطريق ، نعم يجب أن نرمي جميعاً بأحزابنا وإنتماءاتنا خلف ظهورنا وأن نعمل جميعاً من أجل الأجيال القادمة وكما قال الشاعر: للأوطان في دم كل حر يد سلفت ودين مستحق.
اللهم احفظْ بلادَنا من كلِّ سوءٍ ومكروه، وأدِمْ علينا الأمنَ والإيمانَ والاستقرار، وجنِّبْنا جميعاً كلَّ ما يؤدِّي إلى تباعُد القلوبِ وتباغُضِها، اللهم اجمع كلمتنا على الحقِّ، واطفئْ مشاعل الفتنة، وسُدَّ مساربَ الفوضى، واجعلنا صفًّا واحداً على كلِّ مَن أرادَ الشرَّ لبلادنا يا أرحمَ الراحمين.
«ربنا آتنا في الدنيا حسنةً وفي الآخرة حسنةً وقنا عذاب النار». سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين … وأقم الصلاة.

 

الجريدة

Loading

شارك على
أكتب تعليقك هنا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.