آخر الأخبار
The news is by your side.

رواية الرائد (معاش) عبدالعظيم سرور عن بيت الضيافة (الأخيرة)

رواية الرائد (معاش) عبد العظيم سرور عن بيت الضيافة (1971) (الأخيرة)

بقلم: عبد الله علي إبراهيم

كانت الرواية الثالثة للرائد (معاش) عبد العظيم عوض سرور عن مذبحة بيت الضيافة في مقابلة مع الأستاذ عدلان أحمد عبد العزيز بتاريخ 2 سبتمبر 2017 بتورنتو كندا ومبثوثة على اليوتيوب.

وأريد قبل عرضها أن أتوقف عند مسألتين برزا لي خلال مناقشة مطولة مع أصدقائي في صفحة الفيسبوك وغيرها. بدا منها أن غيرة بعض الناس على شهداء بيت الضيافة، متى اتهموا رفاقي الشيوعيين، ملتبسة. فمن وقر الشهداء بيت الضيافة حقاً رغب بقوة أن يعرف قتلتهم على وجه التحقيق. وقد طعنا منذ يوليو 1971 في سردية حكومة نميري، التي حملتنا وزر القتل، وحاصرناها بما يسمي ب”الشك المعقول” في حيثياتها بما يدفع أهل النية الحسنة لمطلب التحقيق العادل في المأساة حتى لا نأخذ أحد بجريرة أحد. وسردية نميري عنا لم تسقط بعد وإن سقط صاحبها بقرينة ظلمه.

أما المسألة الثانية فهي التماس بعضهم مني التوقف عن الكتابة عن المذبحة القديمة لأن “الفينا” من مذابح الإنقاذ “مقضينا” (نشرت الكلمة في أغسطس 2018). ويغيب عنهم هنا أن لمذابح وغلظة الإنقاذ “ساسا” في تاريخنا السياسي المعاصر. فلم نضرج السياسة خلال هذا التاريخ بالقتل بل صارت هي القتل. ولم ننم، والقتل فوق الهانات، آليات “حدار الدم” التي عرفتها مجتمعاتنا التقليدية وتعني التحري في المقتلة وتطبيق أعراف الدية. وقفل الملف. وصارت المقاتل عندنا وقائع فالتة لا نحتويها بالتحقيق ونبلغ الغاية منه. فأذكر كتابتي مستاء يوماً من رفض البرلمان التحقيق في مذبحة الضعين في 1987 مما فتح الباب لاستغلالها حزبياً في مثل كتاب “مذبحة الضعين” للدكتور عشاري الذي هو رأي الحركة الشعبية خالصاً. ومن باب اهمالنا احتواء وقائع الدم مذبحة بيت الضيافة التي هي موضوع هذا التحري. وقد حز في نفسي دائماً فظاظة كثيرين قبلوا فيها بسردية نظام نميري عنا ولم تعكر أحكام محاكم الشجرة البشعة صفو ضميرهم. قبلوها لا يطرف لهم جفن. لقد صار القتل في السياسة عندنا هو السياسة. والإنقاذ هي أعلى مراحل الذبح في السياسة بل جيشت له قوى خارج شرعية الدولة نفسها.

ويريدني بعضهم أن اكتب عن الإنقاذ ناسين إنها قد خرجت علينا من ثقوب استهتارنا في البحث عن قتلة مثل قتلة بيت الضيافة وتعليق جرمها بمن تصادف.

عاد عبد العظيم في لقائه مع عدلان على اليوتيوب لروايته عن مسؤولية أحمد جبارة عن قتل معتقلي بيت الضيافة. وكان قال بها في الدور الأول في 2000. ثم رأيناه فطها في الدور الثاني في كتابه في 2015. ولكنه أجرى، في عودته لها، تعديلات مرموقة فيها. فهو لا يعتقد أن للحاردلو، الذي قال في 2000 باشتراكه مع أحمد جبارة في قتل من بيت الضيافة، ضلعاً في المقتلة. وقال إن من قام بالقتل ضابط آخر غيره لم يكشف عن هويته. ولكنه ظل ثابتاً عند مسؤولية أحمد جبارة عن القتل مع تأكيده أنه لم يبدأ المذبحة ولكنه تمّ ما وجده مبدئياً من قتل. وهكذا صدقت كلمة ماجد بوب بأن عبد العظيم سيلقى الأمرين دون إثبات نظريته عن “الجريمة المزدوجة” في بيت الضيافة. فها أنت تراه يسقط دور القوات المضادة للانقلاب في المقتلة. وكان قد قال به في رواية 2000. ونسب القتل هذه المرة إلى ضابط مجهول الهوية بدأ القتل أولاً وأعقبه أحمد جبارة تقتيلاً لمن تبقى.

واضح أن عبد العظيم شديد الاقتناع في كل رواياته بأن المقدم عثمان أب شيبة هو الذي أمر أحمد جبارة بقتل معتقلي بيت الضيافة. ولما سأله عدلان في المقابلة عن كيف عرف أن أحمد جبارة من قام بالقتل عاد إلى رواية 2000 عن مرور أحمد جبارة به مرتين بين الساعة الرابعة والخامسة من مساء 22 يوليو وقد أومأ له بإيماءات من يده. فهم من الإشارة الأولى أنه ذاهب في مشوار ما وراجع عرف على الفور أن وجهته ستكون بيت الضيافة. وفهم من الإشارة الثانية، التي مرر فيها حرف كفه على عنقه، بعد عودته من مشواره بأنه قد قضى على المعتقلين فيه. ولم يستكمل عبد العظيم الإجابة عن سؤال عدلان لأنه استطرد طويلاً عن دموية الضباط بالتدريب والحرفة.

وصفُ عبد العظيم في استطراده الضباط بالدموية بمثابة خلفية لمقتل شهداء بيت الضيافة ولربما اسقاط على ما يذاع عن دموية أحمد جبارة. وقال إن تلك الدموية في جوهر تدريبهم في الكلية الحربية. وطبقها هو نفسه على رأس عملية في الجنوب مع ضابط أعلى رتبة منه كانت إراقة الدم هي أرقه ومطلبه. وتوقف عند المأساة بقوله إن من أراقوا دمهم كانوا مواطنين جنوبيين. ورجع في موضع آخر من المقابلة لحادثة عثوره، بعد اكتساح معسكر ما، لأم توأم قطع الرصاص أرجلها. فنادى ممرض الوحدة العسكرية لإنقاذها ولكنه قال باستحالة ذلك. وقال إنه عرف من يومها أنه لا يصلح للعسكرية. وقال إنهم تلقوا علم التكتيك على ضابط فقد أخته وزوجها في الجنوب. فاغتصبوا أخته وقتلوها وقطعوا عضو زوجها التناسلي وقتلوه. وعليه كان ذلك الضابط شديد المرارة على الجنوبيين وحمَلهم على وجوب قتلهم.

ولم يجد عبد العظيم غضاضة في أن ينسب الدموية في الانقلاب لأب شيبة الذي مدحه في نفس الوقت بأنه من أمر، في بدء الانقلاب، الملازمين ألا يعتدوا على أحد من أعضاء مجلس انقلاب نميري، وأنه سيعاقب من يمس أحداً منه عقاباً شديداً. وكان أب شيبة يعرف أن الملازمين باتوا على فكرة تصفية نميري وضباطه. ولن تستوقفنا نظرية عبد العظيم هنا عن دموية الجيش التي اكتسبها من حرب الجنوب والتي فسر بها دموية بيت الضيافة. فقد رأينا، سواء في القصر الجمهوري أو مباني الأمن، أن الضباط مثل خاطر والعماس رفضا، متى صح قوله، الأمر بقتل من تحت يدهم من المعتقلين. فالضباط الذين أطلعنا على خبرهم ليسوا بالدموية التي نسبها إليهم.

يؤسفني القول إن شهادة عبد العظيم عن قتل أحمد جبارة لشهداء بيت الضيافة، بعد التحري، “مضروبه”. فهو إما أنه لم يحسن التعبير عما شاهده، أو أنه لم يقف على وقائع المذبحة بصورة وثيقة لتأتي شهادته لا شق ولا طق كما رأينا. فله في توقيت المذبحة ساعتان: ما بين الرابعة والخامسة ونحو السابعة. وله شركاء أربعة لأحمد في القتل هم الحاردلو، وضابط مجهول الهوية، والقوة الثالثة التي كسرت انقلاب 19 يوليو. وله في العلم بالمذبحة سبيلان: فهو عرفها من إشارات تبادلها معه احمد جبارة فهم منها أنه قضى على ضحايا البيت، أو عرفها من أب شيبة في مكتبه وبحضور أحمد جبارة. وجميعها علل تضرب مصداقية شهادة عبد العظيم في الصميم.

Loading

شارك على
أكتب تعليقك هنا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.