آخر الأخبار
The news is by your side.

حديث المدينة… بقلم عثمان ميرغني

إعلامَ المُؤتَمَر الوَطَنِي!!

لَم أَرَ مثل هذا الإعلام المُتَدَفِّق على مدار الساعة بلا عُطلاتٍ.. عشرات الأخبار والبيانات والصور والفيديوهات يبثها إعلام حزب المؤتمر الوطني يومياً، ترصد كل حركات قياداته ونشاطاته المُختلفة في كامل جُغرافية السُّودان المُترامي الأطراف.. ولكن..!!
ولكن هل مثل هذا الإعلام مَطلوبٌ؟
هل يُقاس الإعلام بالكيلو كلام أو الطن المتري، أو “الميقابت”.. أو بساعات البث؟ الإعلام يُقاس بـ(التأثير)، إلى أيِّ مَدَىً قادر على إحداث التأثير المُراد له، وتوصيل (الرسالة الإعلامية) المُستهدفة منه.
ومُلاحظتي في إعلام حزب المؤتمر الوطني.. كل المَطلوب هو تَتَبُع حركة المُؤتمرات أو لقاءات القادة ثُمّ بَث تَفاصيل مُملة عن هذه النشاطات مُرفق معها صور أكثر مَللاً فيها حرصٌ شديدٌ على إظهار القيادات في مُختلف اللقطات، تَارةً يُصافحون مُستقبليهم، وأُخرى في المَنَصّات يلقُون خُطبهم، وأحياناً وهم يجلسون في الصفوف الأولى في قاعات وجيهة مُحاطون بعضوية الحزب أو الحركة الإسلامية حسب المنشط.
مثل هذا الإعلام لو ضَخّ في كل يوم ملايين الأخبار والصور فَلن يُحقِّق دَرهم (تأثير).. صَحيحٌ سيفرح القادة الأعلى من مسؤولي الإعلام، ويثنون على نشاطهم الكبير، دُون أن يَطرحوا السُّؤال الحَتمي هل حَقّقَ الإعلام (التّأثير) المَطْلُوب؟ هل أوصل الرسالة المُخَطّط لها؟
والعِلّة في هذا الإخفاق يجيب عليها سُؤالٌ بَسيطٌ.. مَن يُخَطِّط لهذا الإعلام؟ بعبارةٍ أخرى مَن يُصمِّم رسائل الإعلام المُستهدفة؟
والإجابة سهلة، في أحسن الفروض لو سلمنا جدلاً أن هناك تخطيطاً للإعلام، فغالباً القيادات السياسية أو التنفيذية هم الذين يفعلون، لا أقصد أنّهم (يُخَطِّطُون)، فحاشاهم من (التخطيط)، ولكني أقصد أنّهم من يصنعون الشكل الإعلامي المطلوب؟ مثلاً.
عندما يظهر الدكتور فيصل حسن إبراهيم في منصة خطابه في ولاية النيل الأبيض، يلبس جلابية بيضاء وعمامة، ثُمّ يعتلي المنبر ويلقي ما شاء له الارتجال أن يقوله، فهنا دكتور فيصل هو (المُخطِّط) الذي خَطّطَ وَصَمّمَ الرسالة الإعلامية.. ثُمّ نفّذها.. لأنّه اختار مظهره (الإعلامي) وكلماته أيضاً.
الإعلام ليس مَحض خَبر أو صُورة.. بل والشكل والمَضمون الذي يُحيط بالنشاط نفسه.. فاللبس الذي يصعد به المسؤول للمَنَصّة، والكلمات التي ينطق بها.. هي من صَميم مَهام (المُخطط) الإعلامي.. وليس المسؤول السياسي.
مثال آخر..
عندما يَظهر المَسؤول تحت ظل السَّرادق المُكيّف يقف خلف مَنَصّة الخطابة ويَتحدّث لجمهورٍ يَقف تَحت أشعة الشمس الحَارقة، فالرسالة الإعلامية التي تُوصِّلها الصور جَارحةٌ للضمير الحي.
السُّؤال الحقيقي.. مَن يُصمِّم الرسالة الإعلامية.. هل يتدخّل خُبراء الإعلام في تحديد شَكل مَنَصّات الخطابة أو مَظهر القَادة أو خُطبهم عندَ المَنابر؟ لا أتصوّر أنّهم يجرأون.. ولا أتصوّر أن يرضى لهم القادة بمثل هذا التدخل.
مُصيبة أهل الإعلام، وقبلهم السَّاسة، أنّهم يظنون أن مُجرّد إغراق وسائل التواصل الحديثة هو إعلام..
هذا مَحض إيلام، يُضاعف الغُبن، ويُثير الغُبن المُتراكم أصلاً..

Loading

شارك على
أكتب تعليقك هنا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.