آخر الأخبار
The news is by your side.

حاطب ليل…. بقلم: د. عبد اللطيف البوني

دولارات البيوت

(1 )

السياسات النقدية والمالية التي مضى عليها اليوم أسبوع، كُلُّ الدلائل تشير إلى أنها كانت آخر طلقة في خزانة الحكومة السياسية المالية، أو كما يقولون، كانت خيار حافة الهاوية، ألا قل لي بربك ماذا يمكن أن تفعل بعد أن تتبنّى آخر سعر وصل إليه السوق الأسود؟ مش كدا وبس، بل تعلن لتجار العملة قائلةً (إن زدتم زدنا). حتى هذه اللحظة لم تحدث الطفرة المتوقعة في أسعار الدولار، ولكن هذا لا يعني بأي حالٍ من الأحوال، أن الدولار سوف يتجه للعدِّ التنازلي، فالمسألة ما زالت محتاجة إلى وقت، وبعبارة أخرى سيكون من التسرّع بمكان الحكم على السياسات الجديدة بالنجاح أو الفشل، فطالما أنها آخر طلقة، فلا بد من الصبر عليها إجبارياً، كما أن المنطق يقول: يجب أن تأخذ فرصتها، فعوامل نجاحها (بالكوم) وعوامل فشلها (بالكوم)، والباب مفتوح على كل الاحتمالات (بس لوكوا الصبر).

(2)

في تقديري أنه من ناحية سياسات اقتصادية مالية، أن الحكومة قد عقلتها وتوكلت، وبلغة الكوتشينة (فكت آخرها)، لكن هناك وجهة أخرى من العملة، هي الوجهة السياسية التي لا بد من وجودها، فطالما أنها سياسة حكومية، فلا بد من أن تقوم على دعامة سياسية، وبعبارة أخرى لا بد من خطوات سياسية لإنجاح تلك السياسة؛ فعلى الحكومة اليوم قبل الغد اتخاذ إجراءات عاجلة لتخفيض الإنفاق العام، وقد بُحّت الأصوات التي وضحت وطالبت بخفض الإنفاق العام، فالحكومة هي اليوم أكبر مستهلك للعملة الصعبة والعملة المحلية (كمان). أوجه صرف الإنفاق الزائد واضحة للجميع في الترهُّل الإداري والترهُّل الدستوري والصرف خارج أورنيك 17. ثم ما لا يقلُّ خطورة عن الإنفاق العام الزائد، نجد التجنيب، فما لم تكن لوزارة المالية الولاية الكاملة على المال العام، فـ(مافيش فائدة) في إصلاح مالي. أي مليم أحمر في خزانة أي مؤسسة حكومية ما لم تكن وزارة المالية على علم به من أين جاء؟ وأين سيذهب؟ سيظل ثعباناً يلدغ أي استقامة في المال. كل المؤسسات الحكومية التي تتصرف في أموالها دون الرجوع لوزارة المالية، فهي تتصرف بعيداً عن القانون. ثالثاً خروج الحكومة من السوق بأعجل ما تيسر، لأن هذا مدخلٌ لفساد ما أنزل الله به من سلطان، فيا سيادة رئيس الوزراء ومُفجِّر السياسات الجديدة، ما لم تضع هذا المدماك السياسي، فإن البنيان سوف ينهار بسرعة البرق، قل لي لماذا؟

(3)

ذكرتُ هنا من قبْل، أن الطبقة الوسطى السودانية، أو على الأقل ما بقي منها، حوَّلَتْ كُلَّ مُدَّخراتها إلى دولار، فالحرفي قلل من شراء مدخلات إنتاجه، واتَّجه للدولار، والمغترب أبقى على مُدَّخراته في صيغتها الصعبة، النساء بعن ذهبن لتخزين الدولار، كبار المهنيين من أطباء ومهندسين ومحامين حولوا مدخراتهم إلى دولار، فهؤلاء لا يحبون الدولار، بل يكرهونه ولا يتعاملون به، ولكنهم وجودوا أنفسهم مجبورين عليه، لأنه بقدرة قادر أصبح أضمن مستودع للقيمة. هؤلاء المحتفظون بالدولار كرهاً، على استعداد للتخلي عنه متى ما اطمأنُّوا سياسياً إلى أن الحكومة جادَّةٌ في الإصلاح، وأن الدولار لن تقوم قائمته قريباً، فمتى ما اطمأنوا سيفكُّون دولاراتهم من أجل زيادة مُدخلات عملهم بالنسبة للحرفيين أو لكي يُكملوا مساكنهم أو يُواصلوا تجارتهم في السلع، أو يفتحوا مشاريع استثمارية جديدة على قدر حالهم. أكاد أجزم أن الدولارات (المُدكَّنة) في البيوت تفوق تصور أيِّ عالم اقتصاد.. إنها مليارت مُمَلَيْرَة لجأ إليها الناس ليس حُبَّاً فيها، إنما هروباً من الجنيه السوداني، فمتى ما عادت الثقة للجنيه السوداني سوف يرجعون إليه حامدين شاكرين. ويبقى السؤال: متى وكيف تعود الثقة للجنيه السوداني؟ بالسياسة فقط، ولا شيء غير السياسة، فهاتوا الخطوة السياسية المطلوبة

Loading

شارك على
أكتب تعليقك هنا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.