آخر الأخبار
The news is by your side.

تأييد سياسات الحكومة، هل يعني تأييد البشير؟ بقلم: عبدالحليم عباس

ضمن أي حدود يمكن تأييد سياسات الحكومة و هل يعني ذلك تأييد البشير ؟

لقد ارتكب نظام البشير حتى الآن من الجرائم ما يجعل كل انجاز قادم للحكومة الحالية مهما كان كبيراً بلا معنى، ناهيك عن المحاولة و الفشل.

إن محاولات الحكومة الجديدة التي يرأسها الوزير معتز موسى، مهما كانت جادة و تسعى لانقاذ ما يُمكن انقاذه ، لا يمكنها ترجيح كفة سيئات الانقاذ التي تراكمت عبر أكثر من ربع قرن، و لا يمكنها تجميل وجه البشير الذي أصبح في منتهى القُبح. إذا نجح معتز أو فشل فإن ذلك لا يغير المعادلة النهائية، ذلك لن يمسح من التاريخ سنوات حكم الإنقاذ و ممارساتها التي ما تزال مستمرة الى اليوم، لن يغير حقيقة الجرائم التي ارتكبها النظام، و لن يجعل البشير حمامة للسلام أو بطلاً قومياً بعد أن كان مجرماً مطلوبا لدى محكمة العدل الدولية و لدى الشعب السوداني.

إن الاستحسان الذي قد تظهره المعارضة لبعض السياسات أو المواقف التي يتخذها النظام و التي يُرجى منها تحقيق المصلحة العامة و خصوصا تخفيف معاناة الشعب، لا يُمكن و لا ينبغي أن يكون تأييداً للنظام بحال من الأحوال، أو غفراناً له أو نسيانا للمعركة الأهم مع هذا النظام هي التخلص منه نهائيا و إقامة نظام يعبر عن إرادة و تطلعات كل السودانيين.

هناك مساحة يمكن ضمنها للمعارض و للمواطن العادي أن يؤيد سياسة النظام و هي مساحة المصلحة العامة للشعب، مثل مبادرات وقف إطلاق النار و وقف الحرب، أو مثل الإجراءات التي من شأنها أن تؤدي لتحسين الوضع المعيشي للمواطن، هنا من الواجب تأييد سياسات النظام ضمن هذه الحدود. على أن ذلك التأييد لا علاقة له بالمعركة مع النظام حول القضايا الأساسية مثل الديمقراطية و الحريات و سيادة حكم القانون، و هي أمور لا يمكن أن تتم في ظل هيمنة النظام و لابد فيها من الوصول إما الى تسوية سياسية مقبولة تنتهي الى تفكيك دولة الاستبداد أو الى تغيير النظام بواسطة انتخابات أو بالثورة السلمية أو الثورة المحمية بالسلاح.
فبالنسبة للمعركة السياسية مع النظام فهي معركة قائمة و مستمرة، و سقفها الأعلى هو اقتلاع هذا النظام من جذوره.

إن إصلاحات اقتصادية ينجزها النظام هي شيء مرحب به في اطار مصلحة المواطن، و لكن ذلك لا علاقة له بالموقف الكلي من النظام.

إذا نحجت سياسية ما بات يُعرف بالصدمة في انقاذ الوضع الاقتصادي المتردي و ذلك أمر حوله شكوك كبيرة بالاستقراء ( لقد فشل النظام كل هذه السنوات فلماذا ينجح الآن ؟)، فإن ذلك مرحبٌ به، و لكنه بأي حال لا يغير شيء من المعركة الأساسية: البشير يجب أن يذهب و معه هذا النظام.

و إذا لم تنجح هذه السياسة و هو المتوقع، فإن ذلك لا يزيد من سوء هذا النظام و ضرورة ذهابه لا يزيد ضرورة ذهاب البشير شيئا ، ولا يزيد من كراهية جزء كبير من الشعب للنظام لأنها سلفا قد وصلت أقصى نقطة.

بعبارة أوضح إن الصلاة يوم القيامة لا تنفع سواء أكانت صلاة صحيحة بشروطها و أركانها أو -بالأحرى- لو كانت باطلة. إن هذا النظام الآن هو في حالة الصلاة يوم القيامة و التي لا معنى لها حتى حققت بعض المصلحة العامة.

شخصيا أتمنى أن تنجح هذه الحكومة على سوءها في تخفيف المعاناة المعيشية على المواطنين و أتمنى أن تنجح في تحقيق السلام، أو بعبارة مجملة أتمنى أن تقوم الحكومة بكل مهمامها بنجاح، طالمها أنها تهدف لخدمة المواطن. و في نفس الوقت أرفض استمرار النظام بصورته و بنيته الحالية بشكل قاطع.
فمنذ البداية لم تكن المعركة مع هذا النظام بسبب سعر الصرف و أسعار السلع، و لكن لأننا لم نعد نملك ترف المعارك الأخلاقية لأن المعارك الأخلاقية غير مفهومة و غير مقبولة لدى الشعب أصبحنا نعوِّل على الخطاب الذي يفهمه الجميع : الغلاء و الفقر و الجوع، حتى نسينا المعركة الأخلاقية و السياسية.

فلقد أصبحت هناك قناعة شبه راسخة لدى الطبقة السياسية، بأن هذا الشعب لا يفهم و لا يهمه أن يفهم أمورا مثل الحرية و العدالة و الكرامة و حقوق الانسان، و كل همه محصور في احتياجاته الأساسية المباشرة التي يمكن تلخيصها في الطعام. و أصبح هناك شبه احتقار عام للكلام عن الأفكار المجردة مثل عدالة حرية كرامة قانون.

فعندما كان الوضع الاقتصادي في عموم السودان قد بدأ التحسن و وصل سعر الدولار حوالى اثنين جنيه سوداني في بداية الالفية ، كان النظام يمارس أسوأ الجرائم في دارفور ، و لكن أغلبية الشعب كانت تؤيد البشير، و لا تهتم ان احترقت دارفور، لا يهمها جرائم القتل و الاغتصاب و التهجير. و هي نفس الفترة التي ارتكب فيها النظام مجازر في بورتسودان و كجبار و أمري، و لكن ذلك لم يحرك الشعب طبعاً، حينها كانت المعركة أخلاقية.

أغلبية الشعب السوداني بدأت في معارضة هذا النظام بعد الضائقة الاقتصادية، و اذا تحسن الوضع فهناك كثيرين تكون معركتهم الخاصة مع النظام قد انتهت. الحريات الديمقراطية سيادة حكم القانون و هذه القضايا تعتبر أمور تهم المثقفين بالمعنى العامي لكلمة مثقف و الذي يعني انسان عديم الشغلة.

عموماً، لحسن الحظ أو لسوء الحظ، فإن المشكلة ما تزال في العصب الحي للجميع ما تزال تمس الاحتياجات الأدنى للجميع، الخبز و العلاج و الأمن ( و مؤخراً حلاقة الشعر في الشوارع) ، لم تعد تتطلب تفكيرا مجردا و اعمالا للعقل، و لا تتطلب أن يكون المرء أخلاقيا ليرفض الظلم لأن الظلم أصبح واقعاً محسوسا.

ما يزال الكثيرين في صف تغيير النظام و ان أفلحت سياسة الصدمة.

Loading

شارك على
أكتب تعليقك هنا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.