آخر الأخبار
The news is by your side.

تأملات قرآنية الآية 44 من سورة المائدة

 تأملات قرآنية الآية 44 من سورة المائدة

بقلم: د. هاشم غرايبه

قال تعالى في الآية 44 من سورة المائدة: “إنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ. يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِن كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ”.

لندقق في بعض التفصيلات الدقيقة لكي نفهم المراد من هذه الآية الكريمة:

أولها: إن التوراة كتاب الله الذي أنزله الله على موسى عليه السلام، ويحتوي على ثلاثة عناصر: الهداية الى صراط الله المستقيم، وبيان أسس الإستقامة عليه، وأحكام الشريعة.

ثانيا: التوراة منهاج كل الأنبياء من بني إسرائيل، وظلت كذلك حتى مع نزول الزبور على داود عليه السلام.

ولما كان عيسى عليه السلام آخر أنبياء بني إسرائيل لذلك لم يحتوِ الإنجيل على تشريعات، لأنها مدونة في التوراة.

ثالثاً: جاء تعريف الأنبياء بـ (الَّذِينَ أَسْلَمُوا) حتى لا يكون مجال للظن بأن الأنبياء يدعون الى غير الإسلام، ويكون ذلك متوافقا مع قوله تعالى:

“إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ”، و”وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ”، وبذلك يبطل حجة من يرددون عبارة (الأديان السماوية)، فالدين واحد، لأن المُنشئ واحد، يُعقل أن الإله الواحد يوحي الى أنبياء متعددين في أزمنة وأمكنة مختلفة برسالات وشرائع متباينة حسب ظروف ومعارف كل قوم، لكنه لا يمكن أن ينزل أديانا متباينة، بل كل الشرائع قديمها وحديثها تتسق لتكون جزئية من الدين الكامل، الذي لو كان مستكملا لما كان من حاجة الى الرسالة الختامية.. لذلك خاطب الله الرسل بقوله:

“لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا”، بل إن كلمة الأديان لم تذكر في القرآن الكريم مطلقا، بل جاءت دائما بصيغة المفرد (الدين).

رابعا: أوكل الله تعالى حفظ التوراة الى الربانيين والأحبار، ولم يتكفل بحفظها، لأن العمل بها موقوت الى حين انتهاء سلسلة الأنبياء من ذرية اسحق، وانتقالها الى النبي الخاتم من ذرية إسماعيل، والذي سينزل عليه الكتاب المهيمن على كل ما سبقه من كتب، ومحفوظا الى يوم الدين.

نخلص من خلال فهمنا للآية الكريمة الى ما يلي:

1 – إن الدين الذي ارتضاه الخالق للبشرية الجديدة التي نشأت من ذرية من حملهم نوح على السفينة هو الإسلام، وبعث عليها أنبياء كثر وبرسالات عديدة، لكنها جميعا دعت إلى الدين الواحد ذاته:” شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَىٰ ۖ أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ “.

2 – إن ترديد عبارة “الأديان السماوية” مخالف لأمر الله، فالدين واحد وهو الإسلام، ويجب الإشارة الى متبعي الرسالات السابقة بما وصفهم الله تعالى به في كتابه الكريم وهي: أهل الكتاب، أو بأتباع الرسالات أو الشرائع السماوية وليس الأديان السماوية، لأن تفريق الدين الى أديان قد نهى الله عنه، وما يفعله إلا الذين يشككون فيما أنزل الله، ويطعنون في أنبيائه وكتبه ورسالاته.

3 – توضح هذه الآية الفرق بين بني إسرائيل واليهود، بنو إسرائيل هم سلالة يعقوب بن إسحق بن إبراهيم عليهم السلام، ومن أولاده نشأ فرعان: الأول بنو إسرائيل ومنهم كان الأنبياء تترى، والآخر الذين هادوا (اليهود) أي الذين عادوا الى الله بالتوبة من بعد إبعاد أخيهم يوسف، ثم عبادة العجل، لكنهم ظلّوا يتقلبون بين التوبة عندما يرون العذاب، والمعصية بعد نجاتهم، لذلك كانت السلالة المكرّمة هي من بني إسرائيل وفيها النبوة والسيادة، بينما كان العصاة والذين غضب الله عليهم وكتب عليهم الذلة الى يوم الدين من اليهود، وشاء الله أن تنقرض هذه السلالة بمقتل يحيى عليه السلام آخر الذكور، ويولد عيسى ابن مريم عليهما السلام من غير أب.

4 – بذلك انتهى العهد باصطفاء بني إسرائيل على العالمين، وما كان هذا الاصطفاء ليعني أنهم (الشعب المختار)، بل لأن الله أكرمهم بالنبوة، وبعد انتهاء هذه المهمة، لم يبق غير اليهود المغضوب عليهم، وهؤلاء لا عهد لهم عند الله: ” قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي ۖ قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ”.

Loading

شارك على
أكتب تعليقك هنا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.