آخر الأخبار
The news is by your side.

بوزارة الخارجية ما بين قضم مانجو وملاقاة د. منصور

بوزارة الخارجية ما بين قضم مانجو وملاقاة د. منصور

بقلم: عواطف عبداللطيف

لم نجد اوراق تعيننا .. قيل انها أمام الوزير او الوكيل ولا أحد يستطيع استعجالهم .. ظللنا وصديقتي فتحية لتخف المواصلات نستظل بأشجار المانجو بمدخل الوزارة ” حديقة الميرغنية شارع النيل ” ونقطم ما اكتمل استواءها .. تدخل عربة سوداء ورجل وقور طويل القامة بعباءة وعمامه ملفوفة بعناية حول طربوشه .. دون تردد دلفنا خلفه لمكتبه بالطابق الثاني.

وقف وهو يرد تحيتنا .. أهلا بناتي .. خير .. اوراق تعيينا من أسبوعين ما لقيناها .. وكلهم قالوا بخافوا يسالونك عنها .. قلب اوراق طاولته وبدوري بعثرت بعضا منها .. بحيري .. بحيري .. شاب نحيف فوجيء بوجودنا ووزير الخارجية شخصيا.. الصباح أريد اوراق البنات ديل أمامي .. نظر الينا مدير مكتبه ما بين مصدق ومكذب .. حقيقي لم نغافله فلم يكن أصلا بمكتبه .

طلب منا الوزير الشيخ علي عبدالرحمن الامين الحضور غدا .. ولحظتها كان أبي حاضرا .. أبوي تعب من مصاريف المواصلات .. تبسم .. قولي ليه دي أخر مرة .. في الغد كنا حضورا باكرا فاذا ملفاتنا وبجوفها تاشيرة الموافقة علي تعيننا موظفات بوزارة الخارجية وبكامل الحقوق والواجبات ..ابوالعلا نائب مدير الموظفين ظل يمازحني أنت مكتوبة بقلم الرصاص .. أرد وأنا أعرف مكتب الوزير .. لا أزيد وقت الدوام دقائق ولا انتقصها … ترصدني شاعر معروف يعمل بالادارة القنصلية وبالسلم مد لي وردة حمراء بغصنها تناولتها خطفا فانغرست أشواكها بيدي .. ومن وقتها خالفت التعليمات بعدم الجلوس بالكبانية ” بمدخل الوزارة” انتظر رفيقتي حتى ولو تم أنهاء خدماتي ولم افصح عن الاسباب.. أقل من شهر كلفت بطباعة كشوف لتنقلات سفراء بالخارج ومذكرات لقضايا شائكة وبعض دول الجوار … اقوم بالمهمة بمكتب مدير الادارة الافريقية الباقر عبدالمتعال أحد السفراء المخضرمين فيحدثني بأنني أصغر موظفة ومؤتمنة علي أسرار دولة إن تسربت فانها منك فاحرق قصاصات الورق بعد الدوام.

ويبدو ان سيرتي كحافظة للاسرار انتشرت …. فتم نقلي للمكتب السري للوزير رفقة الشاعر المعروف محمد المكي ابراهيم لم اطبع قصائده التي يكتبها كقصاصات ويدسها بدرجه وطبعت مسودات كتب وكيل الوزارة جمال محمد احمد اذكر ” افريقيتنا لا تلغي عروبيتنا ” ..
وتولى الدبلوماسي جلال عتباني إيصالنا و المكي في طريقه لحلة حمد بالخرطوم بحري ..
أرتويت بقراءات متنوعة ومعلومات غاية الاهمية والسرية وحكايات ومناقشات كوكبة نيرة فمكتبنا كان نقطة التقاء الدبلوماسيين … يوما دخل شاب شديد الاناقة وطلب مني مكي وهاشم التني حسن أستضافته ولاكثر من أسبوعين نتحادث ” نتونس ” أساله لماذا لم تتزوج فرنسية .. وان يصف لي مدينة نيويورك …فيحدثني بأريحية عن المنظمات الدولية التي عمل بها وهو يرتشف قهوته فيبلغه الساعي ان رئيس الوزراء بابكر عوض الله ينتظره ..

وفي يوم مشهود من أيام حكومة مايو تراصصنا بالبلكونه المطلة علي شارع النيل وتجمع ” اولاد منصور ” كما اطلق عليهم لاحقا فوصل الدكتور منصور خالد بعد اداء القسم بالقصر الجمهوري امام رئيس الجمهورية كأول وزير للشباب والرياضة والشؤون الاجتماعية جاء بسيارة فلوكسواجن زرقاء يعتمل كرافته حرير وبدلة سوداء وكأن بيوت الأزياء الفرنسية تبارت لحياكتها فصفق البعض واطلق اخر صافرة و فسحوا لي المجال لتهنئته فغابت أعينه خلف ابتسامته العريضة هذا الرجل عميق الفكر رسم بقلمه وفكره المستنير وإنضباطه علامات بارزة بشخصيتي حيث عملت معه بالشباب وبدار الصحافة فأحببت القراءة والكتابة فما دخلت عليه إلا وهو منكفي يقرأ او يكتب وراديو بخارطة يفردها متحركا بين موجات الارسال الاذاعي العالمي ولا وقت لديه ” لطق الحنك ” وظللت أكل من سنام تربيتي وبنهم أقترف من علماء ومفكرين عملت معهم .. أمسك بكلتا يديه علي يدي وأنا ابارك تعيينه .. قلت له بخبراتي المتواضعة اتمنى ان اساهم معكم في تأسيس الوزارة الوليدة ..

ومن المكتب السري نقلت لشوون الموظفين فاذا المدير يطلب مني الذهاب لوكيل الوزارة ..رفضت وكعادته مازحني ربما خرجتي قبل نهاية الدوام ..الح ان اذهب وبسرعة دلفت للسكرتيرة نجاة ذكرت انها ايضا مستغربة .. فدخلت ووجهت له سؤال طلبت عواطف ؟ نعم أين هي .. لم يكن امامي غير الدخول والقاء التحية.. اجلسي .. لا شكرا .. عشان نحن عجائز تمشوا الشباب وووو أنا ما عارفة تقصد شنو ؟ د. منصور خالد طلبك بالاسم .. لكني لا اريد النقل جاملته وقت تعيينه .. لماذا ترفضي ؟ لاني هنا مع صديقاتي … ضحك بقهقة عالية .. أجلسي يا بنيتي … اولا د.منصور لا أحد يرد طلبه .. ثانيا فقد طلبت ملفك وسالت عنك .. أنت بت سيرتك طيبة ومجتهدة وشاطرة والمستقبل أمامك .. ونزع وريقة سجل بها أربعة ارقام كانت الهواتف السرية للقيادات .. دسي رقمي بشنطتك اي وقت تعترضك مشكلة اتصلي بعمك عبدالله الحسن .. اما موضوع صديقاتك .. ويضحك مرة اخرى سأرتب لك اجازة يوم لصرف راتبك من الخارجية ولسنة انتداب… شكرته .. فتحلقت حولي زميلاتي بالخارجية اعتبرن ليلة القدر زارتني وتمنين سانحة للانتقال لوزارة الشباب كانت الحدث الاهم وبدايات تشكيل حكومة جعفر محمد نميري .. فلم تكن وزارة بل قبة استظل بها رموز المجتمع المستنير الخرطومي والامدرماني وللحديث بقية ..
 
Awatifderar1@gmail.com

Loading

شارك على
أكتب تعليقك هنا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.