آخر الأخبار
The news is by your side.

بجزع نخلة بدارنا شابة مجنزرة

بجزع نخلة بدارنا شابة مجنزرة

بقلم: عواطف عبداللطيف

ما ان ألمح خيرات أهلنا بالقدار دنقلا العجوز جوالات بجوار دارنا ” بلح او فول وقمح ” وانا راجعة من الدوام ظهرا إلا وادخل لجارتنا ” تومة ” ولم يخيب ظني يوما انهم مجتمعين علي الغداء … وغالبا ما يوسع لي أي منهم ” ببمبر ” فأنغرس وسطهم واتناول الغداء وتسارع التومة لاضافة الكسرة او الملاح وانا واثقة ان امي استنفدت كل ما بمطبخنا لضيوف البلد .. فارسل ابلغها إني تغديت فتقول تعالي.

ضيوف من أسرتنا الممتدة ومعارفنا بالقدار وضواحي دنقلا العجوز وغالبا يعرفون أسمي ووصفي لان في ذلك الزمان لم تكن اخريات دخلنا لبوابات العمل المكتبي والبعض اعتبره عيبا .. برحلة صحراوية مرهقه تمتد لاكثر من ثلاثة ايام جاءوا للعلاج او التعليم والتوظيف ولمتابعة قضايا الاراضي والارث ووو.

ذلك اليوم كان مختلفا تماما ففي جزع شجرة النخلة العتيقة بحوشنا شابة في مقتبل العمر ربطت بجنزير أربكني المنظر أسلم عليها أم اؤشر باطراف اصابعي فدلفت للبرندة رجالا بجوار أبي وطفل شاحب اللون معكوفة يده بشريط علي رقبته …وبجوار امي نسوة .. لاكثر من نصف ساعة تحتضنني هذه لتعيدني للاخرى لم أكن مستغربة للحميمة فكلما جاء زوار من مدن السودان واقاليمه يحيطوننا بشحنة خاصة من المحبة ويكادوا يصهروا قلوبهم ويلامسوا بها نبضات قلوبنا فرحا بالتلاقي …هذا هو سر ” الزولات ” وإن جار عليهم ضيق العيش وانفراط الامن الذي يغالبوه ما ملكوا لذلك سبيلا.

وقبل ان تميل الشمس ناحية المغيب اخي واختي همسوا بانهم ذاهبون لمنزل اختي ولا خيار امامي مثلهم فدوامي للعمل ملزم وحبي للانغراس في تفاصيل ما بدارنا طاغي ولله الحمد كان لدي غرفة خاصة دخلتها وأرق يسيطر علي .. ضيوفنا عادة ما يمارسون طقوسهم وكأنهم بحيشانهم فلا تحتاجني امي كثيرا لمساعدتها.

عصر اليوم الثاني جاء شباب بعضهم ذهب بالطفل مكسور الذراع لتجبيص يده واخرين رافقوا ” علوية ” للطبيب النفسي ورجعوا بها محمولة تغض في نوم عميق وذكروا انها اخذت ” كهرباء ” زوجة أبيها أمراة حيوية مرحة ظلت تصبح علي بأبيات شعر وتودعني وانا في طريقي للعمل بقصيدة بلسان عربي فصيح وهي تلوح لصديقاتي بسيارة الترحيل … ليتني في ذلك الزمان كنت أمتهن الحفظ والتوثيق.

ورويدا رويدا الشابة يفك قيدها وتتناول معنا الطعام وحرصت علي مناولتها عصير الليمون او كاسة شاي وهي شبه شاردة وعيونها ممتلئة برهبة واسئلة حائرة أحيانا تلامس يدي وتمعن النظر في تفاصيل الاشياء حولها … روشتات الدواء تقول اضطرابات نفسية لضغوطات تراكمت بدواخلها وفي تلك النواحي كما في كثير من اقاليم البلاد لا يوجد أطباء لتخصصات دقيقة وبالكاد ممرض يوصف الاسبرين او دواء للمعدة.

أعطيتها صابونة عطرية وطلبت منها غسل شعرها وتمشيطه وقلمت أظافرها وكانت فرحة جدا بفستان أهديته لها … وكم كانت سعيدة وانا أعطرها واضع لها مانكير باظافرها … هي تعرفه لكنها ربما لم تحظى به… فاذا الخالة فاطمة تزجرني ” بتجننيها ” فاضحك وارد عليها … انت قالوا مرت ابوها انت جننتيها .. ونضحك سويا .. وكانت صديقتي الجديدة لا تتواني النقر علي أي وعاء فارغ والترنم بصوت شجي بأغاني شعبية ربما اصلا كانت تريد ان تفرغ مخزونها الداخلي.

انا لم أدرس علم النفس ولكن استجابتها السريعة للعلاج دليل حاجتها للدعم والتغيير والتعبير وباتت تاكل معنا في سفرة واحدة وتميل كثيرا للاعتناء بنفسها و اضاءة الكهرباء ليلا تدهشها وكطفل ما زال يحبو تجرب فتح الاضاءة وأغلاقها .. أما أخيها الذي جاء مرافقا لهم ما ان تعافت شقيقته ظل أغلب الامسيات يذهب لتناول الايسكريم بحلواني بحري وصرف مبلغ من مصروف علاج شقيقته في متعة التلذذ بالايسكريم والتفكر كيف صنع ومن ماذا صنع.

لسنوات طويلة ما كان يأتينا زوار من القدار إلا وهم يحملون لي زجاجة سمن بلدي واجود انواع التمور هدية خاصة من فاطمة وعلوية وحينما زرتهم لاول مرة بعد سنوات طويلة بقرية لتي جوار القدار تحلق حولي اولادها وأحفادها واندهشت لذاكرة الشاعرة القوية وقد تخطت التسعون عاما وحكت لهم كيف كنت أدس تحت اصابعها ” الجبنة ” لتتناولها مع الفول وانها بعد تشافي ” علوية ” ظلت تشكوا لان الحكيم لم يحقنها كعلوية ولم يصورها كيد الصبي.

فاخذناها لطبيب اخر كشفها وكتب الدواء وظلت ” المطموسة ” كما كانت تناديني تطلب منه تصويري وحقني فيرد علي انت ما عندك ” اليصوروه ” وما ان كتب الدواء اخرجت من شنطتها ادوية الحكيم الاول فقال لي كنتي ستخسري قروشك يا حاجة لاني كتبت لك نفس الدواء … وما ان سالني كم عدد اولادك .. عوجت وجهي لكي لا ارد … فردت” المطموسة ” عندها عشرة اولاد وبنات … فلوحت لها بيدي ” قهرتك بالقاهر ” وضحكنا طويلا … ليكون للحديث بقية …
 
Awatifderar1@gmail.com

Loading

شارك على
أكتب تعليقك هنا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.