آخر الأخبار
The news is by your side.

بأي مداد وحرف أكتب … بقلم: د.خالد أحمد الحاج

بأي مداد وحرف أكتب … بقلم: د.خالد أحمد الحاج
 

بانتصاف ليلة الخميس الثاني من ديسمبر الجاري فاضت إلى بارئها روح الفنان والشاعر الموسوعي الدكتور عبد الكريم الكابلي بعد معاناة مع المرض، ورغم اغترابه بالولايات المتحدة الأمريكية، إلا أنه لم ينقطع عن وطنه وأهله وقبيلة الفن التي يرتبط بها.

غادر الفانية بعد رحلة طويلة من العطاء، والتمثيل المشرف لبلده بكافة المحافل التي شارك فيها، سفيرا للنوايا الحسنة، ومتحدثا لبقا يعرف للحديث ترتيبه، ليبقى عصيا في لغته الفصيحة، وفي تنقيبه العميق في التراث السوداني، وتاريخ الأدب والحضارة الإنسانية، ومن ما يحسب للراحل المقيم تبحره في الإنجليزية بما يدعو للفخر بأنه من طينة هذه البلاد الطيب أهلها، والعبقري إنسانها.

يقول كل من زامل الكابلي ورافقه في رحلة إبداعه الطويلة إنه كنز من الروائع، حيث كان مولعا بالأدب منذ أن شب. ويذكرون له مما يذكرون تلك الألحان الشجية التي كان يؤديها وهو على قطار الشرق ما بين القضارف مرتع الصبا ورئة إبداعه الأولى، وبورتسودان المولد والنشأة على آلة تقليدية، وكيف أن كل من بالقطار كان يسعى جاهداً ليجد موطئا قدم وسط هذه النشوة والترنيم الساحر، والكابلي وقتها لا يزال في أول صباه.

في حضرة المديح ونوبة شيخ تندل بالقضارف وليلة المولد عطر وبخور وروح شاعرية. وما بين غناء الوسط الذي جايل فيه الكابلي عمالقة، وتتلمذ على أيادي مجيدة للموسيقى وقتها كانت النشأة والتكوين وأثر خلوة خاله الشريف الهادي الكائنة بحي ديم حمد والشايقية على لسانه ولغته هو الذي تلمسناه في أحاديثه، وفي سجاله الأنيق، متحدثاً مجيدا، ونطاسيا لا يختلف على براعته اثنان.

رحل العم والخال الكابلي وقد ترك لرفاق دربه أمانة كلمة لابد أن تتحلى بها الأغنية السودانية لتظل شامة تفتخر بها الأجيال، وحشمة مفردة تبعد عنها ما يدنس رونقها البهيج.

ترك الكابلي لليل هجره ومواجده ووداعه الأسيف، أزهى الحروف أبعث بها من هذا المقام للصديق العزيز والشاعر المرهف التيجاني حاج موسى. ترك الكابلي لشمعاته النحيب، ولشجونه السلوى في الوجد والصبابة، ما بين مبكية إبراهيم عوض بشير “سلمى” شاعر القضارف الفحل، وصاحب الروائع عبد العزيز جمال الدين “لو تصدق” وأناقة أحرف عوض أحمد خليفة، وشجون الحلنقي، مرورا بصديق مدثر الذي يكفي أن أحرفه عصية، وخياله أخاذ، وملتقى الإلفة الذي جمعه بالحسين الحسن وتاج السر الحسن، فكيف سنعبر من آسيا وأفريقيا إلى أوبريت الحسيب النسيب زين العابدين الهندي لنسترد من الماضي بعضا من ألق دلقه يزيد بن معاوية، فيا له من عطر.. وكذا الحال بالنسبة للدوش وأبو آمنة حامد، ولمن فاتني ذكرهم فائق الاعتذار، وجميل التقدير.

رحل الكابلي بجسده لتبقى ألحانه وكلماته عطاء لا ينمحي عن ذاكرة وخلد، زمانا للناس وهداوة بال، وزينة تعجب كل شاعر مهموم بالأدب الجميل، والكلمة الرصينة.

بارك الله فيكم جميعاً من أبرق معزيا، ومن هاتف، أو تواصل على الشبكة العنكبوتية، إنا لله وإنا إليه راجعون، نسأل الله تعالى الرحمة والمغفرة والقبول الحسن للعم والخال عبد الكريم الكابلي بقدر ما أجزل من عطاء لوطنه وأهله، وجعل البركة في ذريته وخلفه، اللهم رحمة تتنزل بها على قبره، وجنة عرضها السموات والأرض، اللهم لا تحرمنا أجره ولا تفتنا بعده.

Loading

شارك على
أكتب تعليقك هنا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.