آخر الأخبار
The news is by your side.

انقلاب القاعة .. خلفيات ما حدث (٢)

انقلاب القاعة .. خلفيات ما حدث (٢)

بقلم: وائل محجوب

• التوصيف الدقيق لما تم في قاعة الصداقة هو انها محاولة انقلاب سياسي/ مدني/ عسكري ظل يجري الاعداد لاطلاقها منذ وقت طويل، الهدف منها استبدال الحاضنة السياسية، بحاضنة بديلة تخرج من رحمها تقودها قوى سياسية مدنية الصفة، عسكرية الهوى والميول، سلطوية التطلعات، متصالحة مع بقايا العهد البائد، وهو يخالف فكرة الانقلاب الكلاسيكي المعتادة، ويشابه لحد كبير – مع الفروقات- ما يحدث في السيناريو التونسي.

• ما جري تقف من خلفه سياسيا قوى هجين مدنية/ عسكرية من داخل قوى الحرية والتغيير و”خارجها”، وتتقدمها قوى رئيسية من قوى اتفاق جوبا من خارج قوى الحرية والتغيير، وبعض قوى الحرية والتغيير، وقد تعثرت خطواتهم بعدما تخلت عنهم أكبر القوى ممثلة في حزب الأمة والكيانات الاتحادية، بينما كان التخطيط أن يتسع المنضمين لها لتشمل قوى من مشاركي العهد البائد أبرزهم المؤتمر الشعبي، وعدد من اللافتات الحديثة التي تشكلت من منسوبي الحزب المحلول، والحزب الاتحادي الأصل، والأمة الذي يتزعمه مبارك الفاضل، ومجموعة من قيادات احزاب الحوار الوطني المشاركة للانقاذ، بالاضافة لقوى مساندة من الادارة الاهلية والطرق الصوفية.

• هدف المجموعة التي تقف وراء هذا التحرك اوضح من الشمس؛ القفز لمواقع السلطة واقصاء مجموعة المجلس المركزي، التي ظلت مهيمنة على مقاليد الأمور منذ تشكيل الحكومة الأولى وحتى الأن، وإحداث تغيير جذري في مسار العملية الانتقالية يؤمن على استمرار العسكر في قيادة المرحلة الانتقالية، ويقطع الطريق على تنفيذ أهم ملفاتها ومطالبها في العدالة وتصفية دولة الحزب الواحد، ويرفع شعارات توسيع قاعدة التحالف السياسي والحكم وتحقيق اجماع وطني زائف يشمل قوى سياسية كانت شريكة للنظام البائد.

• هذه المجموعة التي انتحلت اسم الحرية والتغيير، تصورت انها بميثاقها السياسي الذي طرحته ستوفر الشرعية المطلوبة للتحرك داخليا وخارجيا، وقد انبنت حملتها الدعائية على كثير من الاتهامات والانتقادات التي توجه لمجموعة المجلس المركزي، وللحق فان كثير منها صحيح وظل يوجه من منصات مختلفة لها، مثل هيمنتها على مقاليد الأمور داخل التحالف، واحتكارها للقرار بواسطة مجموعة صغيرة تكالبت على المواقع واللجان، وتراجعها عن اهداف وشعارات ومطالب الثورة، وغيرها من الاتهامات، ولكنها كلمة الحق التي أريد بها باطل.

• هذا التحرك الانقلابي، ما كان من الممكن أن تكتمل حلقاته النهائية باقصاء كيانات الحرية والتغيير واعادة تشكيل الحكومة، دون ان يكون رئيس الوزراء جزء منه وباقيا في موقعه، فهو يمثل رمزا للشرعية داخليا واقليميا ودوليا، وأي محاولة لاقصائه، ستحول طبيعة هذا الانقلاب لانقلاب عسكري ضد سلطة اكتسبت شرعيتها عبر التفويض الشعبي والاعتراف الاقليمي والدولي، وتقويضا للحكم المدني حتى وان تم تشكيل حكومة جديدة قوامها المدنيين، وسيقود ذلك لصدام داخلي وخارجي، لذلك من المرجح انه كان سيتم التواصل معه لضمان موقفه، إذ لا يمكن عمليا القيام بهذه الخطوات دون اشتراكه أو موافقته، لاسيما وانه قد ارسل اشارات تؤيد ضمنيا توسيع قاعد الحكم وتتمثل في لقاءاته مع احزاب توالي الانقاذ (ابو قردة ومسار وغيرهم)، وارساله لمبادرته لرئيس حزب الأمة الاصلاح والتجديد مبارك الفاضل في اطار التعريف بمبادرته لمعالجة الأزمة الوطنية، وما حوته قوائم المشاركين فيها من عناصر تحسب على النظام البائد.

• يدرك القادة العسكريون ان أي انقلاب عسكري سيجر ويلات كبيرة على البلاد وعليهم بشكل مباشر، وذلك للأسباب الاتية؛

– التصعيد الكبير المحتمل من الشارع الذي ما زالت قواه موجودة ورافضة لأي انقلاب، والذي لا يمكن وقفه الا باللجوء لاساليب القمع المفرط، وهو خيار قد تم تجريبه من قبل في فض اعتصام القيادة، وما زالوا -وسيظلوا- يتحملون كلفه الباهظة، سيجر لحملات ادانه وحصار للتحرك.

– موقف الاتحاد الافريقي من الانقلابات العسكرية وتدخلها في عدد من الدول عسكريا ضد الانقلابات التي وقعت بها، علما بأن التوصل للاتفاق السياسي بين المدنيين والعسكريين تم برعاية الاتحاد.

– ما زال السودان قابعا تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة الذي يتيح التدخل الدولي في حال الاخلال بالأمن والسلم الاقليميين، (ومن المهم التنبيه هنا الى أن تفويض بعثة دعم الانتقال تحت الفصل السادس لم يلغ بعد قرار الامم المتحدة بالتدخل الأممي بموجب الفصل السابع)، وسيعزز ذلك الوضع من دعم أي تحرك اقليمي مضاد للانقلاب ويضفي عليه غطاء دوليا.

– التهديد الكبير الذي يمثله اعتماد قانون دعم الانتقال الديمقراطي من قبل الحكومة الامريكية وتلويح قياداتها بوقف العلاقات والارتداد للعقوبات الدولية، التي تبدأ من العقوبات الاقتصادية ومن غير المعروف الى اين تنتهي.

– سيف العقوبات الدولية على جرائم نظام الانقاذ، الذي كانت هذه القيادات جزء من منظومته العسكرية القيادية المتنفذة عبر اللجنة الأمنية ومن خلال العمل المباشر في مناطق الحروب، بخلاف مجزرة فض اعتصام القيادة التي من الممكن تبنيها دوليا كمدخل للملاحقات القانونية.

• لكل هذه العناصر فان الغطاء الانسب كان ان يتم تحرك سياسي/ مدني يتم دعمه، شريطة ان يكون من داعميه رئيس الوزراء، الذي ما زال يحوز على دعم شعبي، والرهان أن يقود ذلك لانقسام الأراء حيال الوضع الجديد ويضعف من أي حراك شعبي مناهض له.

• خلاصة القول ان ما جرى هي محاولة انقلاب مكتملة الاركان بصيغة غير معتادة، تمثل ارتدادا كاملا عن أهداف الثورة، وهي محاولة يجب التصدي لها سياسيا وجماهيريا وفضح مراميها وهزيمتها، اما قوى الحرية والتغيير فكفى بها أن ترى حصاد ضعفها وتهافتها وتكالبها، وتنازلاتها المستمرة للعسكر هي وحكوماتها، وتعالي احزابها على الشارع الذي قدمها، انها تقف عاجزة حتى عن الدفاع عن مواقفها ومواقعها، وسنأتي لها لاحقا.

Loading

شارك على
أكتب تعليقك هنا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.