آخر الأخبار
The news is by your side.

النفاق المقدس أو علمانية التُقية!

النفاق المقدس أو علمانية التُقية!

بقلم: رشا عوض

لا تسألوا الكيزان باستنكار عن احتفائهم بأردوغان الذي قبل بعلمانية الدولة وذهب الى مصر واوصى الرئيس الراحل محمد مرسي رحمه الله بالعلمانية، فأردوغان الذي يحبه الكيزان ليس اردوغان العلماني! بل هو أردوغان الفهلوي الذي نجح في اللعب بالبيضة والحجر وعرف ان الطريق الى السلطة(معبودة الكيزان) لا يمكن ان يمر الا عبر (علمانية التقية)، اي القبول ظاهريا بالنظام العلماني ثم تحويله تدريجيا الى دكتاتورية دينية عبر تفريغه من المحتوى الديمقراطي ، استغلال الأغلبية الانتخابية في تعديلات دستورية وقانونية تحول التفويض المؤقت لحزب أردوغان الى تفويض دائم ، الديمقراطية ليست جزء اصيلا من البناء الفكري او النفسي للاسلاموي سواء في تركيا او مصر او تونس او السودان، الجزء الأصيل في عقليتهم هو “الغاية تبرر الوسيلة” فإن كانت الديمقراطية او العلمانية وسيلة مضمونة الى السلطة فلا مانع من التظاهر بقبولهما !

والذي يحدد الموقف السياسي للإسلاموي هو وزنه في معادلة توازن القوى السياسي!

حين تكون له القوة والغلبة كما في السودان يفرض نظامه وايدولوجيته بالقوة وعبر قهر الاخرين وسجنهم وتعذيبهم وتشريدهم تماما كما تفعل الدكتاتوريات العلمانية!

اما اذا كانت الدولة العميقة علمانية كما هو الحال في تركيا ، يتحول الإسلاموي الى حمل وديع في مراعي العلمانية ويأكل منها الى ان يستأسد ثم يبدأ الزحف التدريجي على النظام العلماني لا في اتجاه تطويره من نظام علماني دكتاتوري، بل في اتجاه تحويله لنظام إسلاموي دكتاتوري، ولا أقول لنظام اسلامي، بطبيعة الحال أردوغان سياسي براغماتي ودكتاتور محب للسلطة، حوله الاسلامويون الى ايقونة عند فوزه في الانتخابات ولكن الزمن كشف دكتاتوريته، بعد ان استنفذ دوراته الانتخابية، عدل الدستور فتحول النظام من برلماني الى رئاسي بشرط عدم تحديد عدد الدورات التي يجوز للرئيس الترشح فيها!

مهما قيل عن السلامة الإجرائية لهذه التدابير، بمعنى انها تمت بواسطة أغلبية برلمانية لحزب فاز في الانتخابات، فإنها تدابير تكشف عن العقلية الاستيطانية في السلطة التي تتسم بها الثقافة السياسية في المجتمعات المسلمة، فالديمقراطية روح وثقافة قبل ان تكون اجراءات واغلبية واقلية!

انظر مثلا الى تجربة نلسون ماندلا في جنوب أفريقيا! ماندلا ترشح لدورة انتخابية واحدة فقط وبعدها قرر طوعا واختيارا ان يغادر السلطة ويخلي المقعد لشاب من حزبه لم يبلغ الاربعين من عمره! ورغم الالحاح الشعبي من داخل وخارج حزبه ، ورغم الهالة العالمية والبريق الذي كان يحيط به، ورغم ان الدستور والقانون يسمح له بدورة اخرى، ترجل ماندلا مستعصما بروح الديمقراطية ليضرب مثلا تحتاجه بشدة الشعوب الأفريقية وكل شعوب عالم الجنوب الموبوء بالدكتاتوريات والذي يحتاج لتأسيس الثقافة الديمقراطية من خلال السلوك العملي للقيادات.

في السودان الدولة العميقة إسلاموية، ورغم ذلك لن نقلد أردوغان في نفاقة المقدس ونساوم حول علمانيتنا التي نريدها مرتبطة عضويا الديمقراطية!! نعلم يقينا ان النفاق الى زوال وهزيمة فكرية واخلاقية، وان طريق النهضة والتقدم لا يمكن تعبيده بالنفاق والفهلوة والاستهبال! بل يجب تعبيده بالفكر الواضح المتسق، المقدام غير الهياب!

Loading

شارك على
أكتب تعليقك هنا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.