آخر الأخبار
The news is by your side.

العلمانية وتقرير المصير ورؤية السودان الجديد

العلمانية وتقرير المصير والسلام ورؤية السودان الجديد

بقلم، ياسر عرمان

قرات تصريحا غير مسبوق، طوال أكثر من ثلاثة عقود شاركت فيها في محادثات السلام، وقد صرح أحد الناطقين الرسميين بتصريح مفاده بإن إثارة قضية تقرير المصير ماهي إلا موقف تفاوضي، إذا ترجمنا هذا التصريح إلى لغة الحياة العادية فإنه مثل من ياخذ (بقرة) لبيعها في السوق ويقول للراغبين في الشراء بأننا أطالب بمائة جنية ثمنا لها ولكني أقبل بخمسين جنيها! فمن الذي يشتري منه بمائة جنية في مثل هذه الحالة؟!! كيف لمفاوض أن يكشف حده الأدني في التفاوض؟ الأهم من ذلك أن إستخدام القضايا الإستراتيجية دون إلتزام مبدئي وأخلاقي مكلف سياسيا لاسيما فان الوقت وقت تغيير وثورة. قلنا دوما بان حق تقرير حق ديمقراطي غير معزول عن الوقائع السياسية والجغرافية والرؤية الفكرية، وطرحه في المنطقتين محفوف بتعقيدات عديدة يمكن تعداد بعضها:

1. طرحها على أساس أثني يمايز بين السكان المحليين على أساس ومعايير غير حق المواطنة يهزم الحق نفسه ويؤدي إلى حروب اثنية وإطالة أمد الحرب بينما الغرض من حق تقرير المصير هو الوصول إلى سلام دائم والخروج من دائرة الحرب اللعينة.

2. المنطقتان على عكس الجنوب بهما قبائل عربية وغير عربية لا تطالب بحق تقرير المصير مما يجعل هذه الحالة أكثر تعقيدا من جنوب السودان.

3. حدود الجنوب الجغرافية معلومة منذ 1956 وقضيته حاضرة في الأجندة الإقليمية والدولية بابعاد معروفة ومؤاتية لحق تقرير المصير.

4. طرح حق تقرير المصير على هذه الشاكلة ينسف اي أساس لبناء حركة في كل السودان ويجعل من أعضاء الحركة خارج المنطقتين يخوضون معركة في غير معترك، ويجعل من رؤية السودان الجديد نفسها آلية لتقسيم السودان أكثر منها رؤية لتغيير السودان وبناء سودان جديد.

5. المجموعات المعنية بهذا الحق نفسها لن تتخذ موقفا موحدا، فقوميات مهمة مثل النوبة لعبت دورا تاريخيا في توحيد السودان يوجد معظمهم خارج الحدود الجغرافية لجبال النوبة.

6. في النيل الازرق أصبح السكان الذين يتم المطالبة بحق تقرير المصير بإسمهم أقل عددا من المجموعات الأخرى التي ستصوت في أي استفتاء حول هذه الحق، لا توجد حدود جغرافية بين المنطقتين مما يؤدي إلى تقسيم الحركة الشعبية نفسها فوق تقسيمها الحالي، فمن تخدم هذه الإستراتيجية؟

7. الوضع الإقليمي والدولي الحالي لاسيما في بلدان الجوار المباشرة لا تؤيد مثل هذه المطالب، وتصريح نائب رئيس دولة الجنوب كان داويا ومباشرا.

8. هذا المطلب يعزل مطالب المنطقتين من قوى عريضة في المجتمع السوداني ويحرمها من تعاطف القوى الوطنية والديمقراطية ذات العلاقات الوثيقة مع الحركة الشعبية.

9. حق تقرير الإثني يناقض رؤية السودان الجديد والدعوة لوحدة افريقيا المشبعة بجغرافية الإثنيات المتنوعة ويعمل على تفتيت افريقيا لمصلحة الإستعمار الجديد، وذكرت ذلك تفصيلا في ورقة حول تجديد الحركة الشعبية بعنون (نحو ميلاد ثان لرؤية السودان الجديد.. قضايا التحرر الوطني في عالم اليوم) الصادرة في عام 2017.

10. الذين طرحوا هذا الحق استبعدوا من وفدهم قطاعات هامة وقيادات قادت الحرب وأتوا بافراد من خارج المنطقتين وطرحوا قضايا خارج المنطقتين مما يلقي بظلال حول جدية هذا الطرح.

11. إن الحركة الشعبية اليوم بحاجة إلى رد الإعتبار لرؤية السودان الجديد لاسيما وإن ثورة ديسمبر السودانية قد أعادت طرح هذه الرؤية، وطالبت ببناء السودان الجديد. إن الحركة الشعبية يجب أن تعمل على توحيد نفسها وتوحيد السودان، والحركة الشعبية لن تتمكن من جذب السودانيات والسودانيين إلى صفوفها وخلق علاقات إستراتيجية مع القوى الإجتماعية الجديدة إلا بالرجوع إلى منصة التكوين والدعوى لوحدة السودان على أسس جديدة.

أما فيما يخص علمانية الدولة، فهي طرح صحيح في توقيت خاطئ، والحركة الشعبية حركة علمانية وكذلك رؤية السودان الجديد، ولكن العلمانية ليست شرطا لانهاء الحرب ولن تكون شرطا لعودة النازحين واللاجئين بالضرورة ولا يمكن أن ياخذ سكان المنطقتين على عاتقهم دفع فاتورة ثمن علمانية السودان لوحدهم بمعزل عن الحركة السياسية السودانية. السلام نفسه (مدماك) مهم على طريق مدنية وعلمانية الدولة. يجب طرح هذه القضية كما طرحناها في أديس أبابا في الفترة من 2011 إلى 2016 في 18 جولة للتفاوض على اساس إعطاء حق التشريع كاملا غير منقوصا لسكان المنطقتين، هذا هو الأوفق والأجدى، والقضايا الإستراتيجية لا تطرح على سبيل المناورة، وحينما طرح الجنوب في إعلان مبادئ حق تقرير المصير مقابل الشريعة فإن الجنوب كان يعني ما يقول بتركيبته وتاريخه المعروف ولم يكن ذلك على سبيل المناورة. إن هذا الطرح إن كان إستراتيجيا سيطيل أمد الحرب في المنطقتين ويفوت فرصة نادرة للتسوية هذه الأيام يستحقها سكان المنطقتين عن جدارة وتضحية وهم أصحاب قضية عادلة، وقضيتهم ليست نسخة تقبل التعامل على طريقة أنسخ والصق، فتجربة الجنوب غير قابلة للنسخ واللصق.

إثارة العلمانية دون تدبر وفي هذا الوقت مدعاة لتوحيد الإسلاميين وصعود التيارات المتطرفة في أوساطهم على حساب التيار الإسلامي المعتدل، وعلينا على الدوام التعامل بمبدئية مع التيار الإسلامي المعتدل والراغب في التغيير والعمل على عزل التيارات المتطرفة التي تعمل على دفع السودان للإنهيار وتتخذ من قضية العلمانية شعارا للتعبئة وهي تيارات لا يحرك ضميرها إنصاف الفقراء ولا تتورع من إفساد الدين والدنيا وقد اضرت بالإسلام والسودان قبل أن تضر بغيرهما.

Loading

شارك على
أكتب تعليقك هنا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.