آخر الأخبار
The news is by your side.

السودان بين فشل الاحزاب وانقلاب البرهان

السودان بين فشل الاحزاب وانقلاب البرهان

بقلم: الطيب جاده

بالرغم من أن الأحداث في الساحة السودانية حافلة بالمآسى كشفت لنا حقيقة اللجنة الأمنية لنظام البشير التي لا قيمة عندها للوطن والمواطن وهي تسعي من خلال الاتفاق مع حمدوك للإفلات من العقاب ، فكان الانقلاب بداية القدر والخيانة لإعادة هيمنة الدولة العميقة ، ليرجع السودان إلي المربع الاول ويسير نحو الهاوية والانهيار السريع.

لقد كانت الثورة التي أطاحت برأس النظام هي بارقة أمل ومؤشر نحو التغيير الحتمي لانقاذ ما تبقى من الوطن ومستقبله من براثن الفساد والتبعية ، وكان شهداء الثورة الذين قدموا حياتهم قرابين على مسار حرية الوطن بدمائهم الطاهرة رافضين ديكتاتورية البشير ، إلا أن حب الأحزاب للسلطة التي تسلقت علي دماء هؤلاء الشهداء ، حيث وقعت وثيقة دستورية مشوهة لأدارة المرحلة الانتقالية ، رغم عيوب هذه الوثيقة لم تلتزم بها قحت وفي نهاية المطاف قام البرهان بالانقلاب عليها وضاعت كل أهداف الثورة بإجراء الإصلاحات ومحاربة حيتان الفساد ومحاكمة قتلة المتظاهرين . بعد أن شعر البرهان بالخطر ولم يجد القبول من الشارع لجأ إلي حمدوك و أراد بتوقيعه مع حمدوك أن يضعف الاحتجاجات الرافضة لإنقلابه ، عبر سلسلة من الوعود الكاذبة ، فإن الاحتجاجات الغاضبة لرفض البرهان ونائبه لن تتوقف ، وهي تعبير عن عدم الاعتراف بالانقلاب وليست بسبب حمدوك فحسب ، وبهذا الاتفاق يعتبر حمدوك قد خان الشارع . وبهذا الاتفاق يتضح جلياً أن البرهان حريصة على عدم الابتعاد عن السلطة ويحاول الحفاظ على مصادر قوته عبر المليشيات لقمع المظاهرات بهدف إسكات الرافضي له ، وهو هدف استراتيجي دائماً ما تحرص عليه الحكومات الديكتاتورية للحفاظ على نفسها .

البرهان يدرك تماماً الثمن المرّ المترتب على انقلابه لذلك أراد أن ينقذ نفسه بالتوقيع مع حمدوك ، لأن فك الارتباط مع الحاضنة القديمة قد تكون له عواقب مع المجتمع الدولي ، لذلك لجأ إلى حمدوك لكسب الشرعية ويرسم له الطريقة السلسة لذلك ، وضمان بشأن مستقبله في رأس المجلس الانتقالي .

بالنسبة للأوضاع السياسية في السودان لن تسير في الطريق الصحيح في ظل وجود قادة الانقلاب في السلطة ، وتصاعد حدة الصراع والخلافات بين المكونات السودانية المختلفة ، حيث تسعى الأحزاب بكل قوتها وامكانياتها بأن تكون طرف في السلطة الانتقالية بما يضمن استمرار هيمنتها على نتائج الانتخابات القادمة إذا كان أصلاً هناك انتخابات وإجهاض مطالب الشعب بتحقيق أهداف ثورته ، إلا ان أخطر التطورات تمثل في المخاوف من خطورة وجود الدولة العميقة التي فرضت هيمنتها على مفاصل الدولة بمساعدة اللجنة الأمنية للبشير ، كما لعبت الدولة العميقة دورا في عرقلة مساعي الحكومة الانتقالية من محاولات تحسين أوضاع السودان .

لم يعد بقاء العسكر قائماً في السودان متعلقاً بإصلاحات يحاول أقطابه الترويج لها هنا أو هناك ، بل أن انهياره أصبح مسألة وقت ربما ينجحون في إطالته لأمد قد لا يطول ، إن علامات انهياره أصبحت واضحة لا يمكن إخفاؤها، وسيكون انهياراً مدوياً لأن الوضع السياسي في السودان بشكله الحالي سينهار لا محالة ما لم يتم تغييره تغييراً جذرياً ، عوامل الإنهيار لهذا النظام الانقلابي والتي لا يمكن له الصمود مع بقائها لم يعد بالإمكان تلافيها أو الرجوع عنها حتى مع افتراض توفر النية لذلك ، نظراً لتشابك هذه العوامل وتداخلها مع أجندات خارجية تتحكم بسلوكه سياسياً واقتصادياً ولا يمكنه التخلص منها ، على أن مثل هذه النيات لا يمكن افتراضها بأدوات النظام الحالي وشخوصه، لارتباط مصالحهم بالأسس الفاشلة التي استند إليها الانقلاب منذ قيامه ، والتي خلقت سلسلة من الأزمات المستعصية ، هذه الأزمات والتحديات تشكل عوامل انهيار وشيك لأي نظام في العالم وليس في السودان فحسب، يرجع ذلك لعدم اكتراث عسكر الانقلاب بالمشهد القائم ومخاطر الانهيار المتوقع .

لم يدرك ابناء السودان جميعا انهم في سفينة وطنية واحدة وكلما زادت الخلافات داخل هذه السفينة أوشكت على الغرق بمن فيها ، كما انه لم يعد بمقدور أي حزب او جماعة حكم السودان بمفرده ، كما كان في السابق فالعبء ثقيل والاحمال لا يطيقها المنفردون بالحزبية ولا الجماعات الساعون الى فرض الحكم بالقوة على الاخرين ، فكل يوم يمر على السودانيين أصبح أسوء من ذي قبل ، فلقد أصبح المجتمع السوداني ينظر بازدراء الي ما ألت اليه الاوضاع وتدهورها سياسيا وعسكريا ، لم يكن لدى الشعب مانعا ان يحكمه أي طرف مدني له غيرة علي هذا الوطن إن كان بالطرق المشروعة ، فالشعب يقارن وينظر بعمق الي ما وصلت اليه الامور في ظل فساد الضمير الوطني .

لقد أصبح الشعب السوداني يشاهد الاختلاف والصراع بين الانتهازيين وهم يخونون بعضهم البعض ولا يقدرون الظروف التي تمر بها البلاد ، يريدون خلط الاوراق وتأزيم المواقف لكي يدفع المواطن ثمن الغباء السياسي للفرقاء السياسيين المترهلين الذين ارادوا من بناء السودان وفق اجندة وصناعة خارجية أوصلتنا الي ما لا يحمد عقباه ، فحدث ما حدث وسقط الوطن رهينة في مبادرات تعطي الشرعية للانقلاب الذي يريد فرض الحكم بالقوة ، للأسف سقط الضمير الوطني وحلت محله الولاءات الحزبية والجغرافية والقبلية ، اخطأ السياسيون عندما وقعوا اتفاق مع العسكر لأدارة المرحلة الانتقالية ظنا منهم ان اهداف الثورة قد تحققت وانتصرت وهو مالم يحدث الا العكس ، لقد سرقت الثورة ولم يشاهد السودانيين الا صراعاً علي السلطة بين المدنيين والعسكر ، كفى بهذا الشعب عقابا لأنه دفع الثمن رغم المعاناة التي عاناها ابان حكم البشير ، لماذا الالتفاف على تدمير سفينة الوطن ، لماذا ولماذا ولماذا؟ لو جلسنا نفند واقعنا لوجدنا ان القوي السياسية والاحزاب وكل القادة بحاجة الي مراجعات وتقييم لقياس الوطنية والقيم والاخلاق التي ينبغي ان يكون الجميع شركاء فيها ، ولكن الرهان على الخارج أضاع حلم السودانيين في التحول نحو الدولة المدنية ، وتحقيق أهداف الثورة حرية سلام وعدالة .

Loading

شارك على
أكتب تعليقك هنا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.