آخر الأخبار
The news is by your side.

 الدين للحياة … بقلم: د. هاشم غرايبه

 الدين للحياة … بقلم: د. هاشم غرايبه

كنت مرة وزوجتي ضمن مجموعة سياحية في إسبانيا، ومما يستهوي السائح عادة، علاوة على مشاهدة الأماكن السياحية والتاريخية، التعرف على ثقافة الآخرين، والتي من ضمنها الأطعمة التي تميزهم، لكن ما كان يقلقنا هو التأكد من عدم احتوائها على لحم الخنزير، فذلك كان يحرمنا من أصناف كثيرة.

أنا لا أحب من مأكولات الأوروبيين إلا القليل، ومنها اللحم المقدد، أردت شراء شيء منه، فوصفوا لي مكانا متخصصا في ذلك في سوق “كورتنغليه” الضخم في وسط مدريد، لكني استغربت أنني لم أجد فيه غير لحم الخنزير، سألت أحدا من العرب المقيمين هناك: ألا يعرفون هنا لحوما أخرى كالبقر والغنم والدجاج والأسماك؟، قال بلى لكنهم معتادون على تقديد لحم الخنزير فقط، ويعتقد أن جذور ذلك تعود الى مرحلة محاكم التفتيش حيث كان الاقتصار على عرض لحم الخنزير فقط، وسيلة لكشف المسلمين الذين يخفون إيمانهم، خوفا من التنكيل بهم أو إرغامهم على التنصر، فكان رفض العائلة لأكله أو وجود المرافق الصحية في البيت دليلا على كونها مسلمة.

الحقيقة أن تحريم الشرائع السماوية لشيء هو في الأصل بسبب ضرره على الإنسان، ولكن لأن الإنسان خلقه الله هكذا، كان أكثر شيء جدلا، فقد كان العناد والمكابرة طبعا متأصلا فيه، منذ أن عصى آدم ربه فأكل من الشجرة المحرمة، وهذه الصفة يثبتها ميل الطفل الى رفض نصح الكبار، ومحاولة التمرد على تعليماتهم، فالإنسان العاقل يدرك بأن الحكمة في فعل شيء أو تركه قد تكون ظاهرة له وقد لا تكون كذلك، لكن الجاهل ومثله الطفل الغر غير الراشد، لا يقتنع بغير ما يراه ظاهرا.

فنرى أنه إذا اشترى شخص راشد عاقل آلة جديدة، فإنه يقرأ تعليمات الصانع ويلتزم بها بلا جدال، لكن الجاهل ولأنها تفرض عليه التزامات وكلف، ولعدم فهمه لأهميتها، قد لا يأخذ بها، فتتعطل بعد قليل، ويخسر كثيراً.

كذلك الآلة الأشد تعقيدا وهي الجسم البشري، والتشريعات الإلهية هي بمثابة تعليمات الصانع الأعظم وهو الله، فمعاندة تعليماته هي أشد حمقا من فعل ذلك الغر الجاهل الذي يحتكم الى هواه أو علمه الضئيل.

ما حرّم الله لحم الخنزير إلا لحكمة يعلمها، وجاء تحريمه بأربعة نصوص صريحة في القرآن، مثلما حرّمه في التوراة من قبل، ومعروف أن تشريعات التوراة ملزمة لأتباع موسى وعيسى عليهما السلام، فقد جاء في سفر التثنية الإصحاح 14 العدد 8 ، والنص نفسه في سفر اللاويين 1: 11 -8:”والخنزير لأنه يشق الظلف لكنه لا يجتر فهو نجس لكم. فمن لحمها لا تأكلوا وجثثها لا تلمسوا”، والنص فيه تحريم صريح لا يقتصر على تحريم أكل لحمه فقط، بل لمسه أيضا، فيما خفف التشريع القرآني، فاقتصر على تحريم أكل لحمه، فقد قال تعالى: “إنما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير” [البقرة:173] وكرر النص ذاته في [النحل:115]، كما ورد تحريمه في [المائدة:3] و[الأنعام:145].

ما عرفه الإنسان من حكمة تحريم لحم الخنزير قليل، ولكنه توصل الى معرفة أنه لكل كائن حي وظيفة ودور، قد ينفرد بها في بعضها، ويشترك مع اخرى في البعض الآخر، مما ينفرد به الخنزير عن باقي الحيوانات انه ينظف البيئة من المخلفات، لذلك خلقه الله آكلا للنباتات وللحوم معا، لكنه يعتاش على الفضلات ويغرم بالتمرغ في القاذورات، ويفضل أكل الجيف، بل يتعمد ترك الحيوانات الميتة حتى تتجيف وتنتن رائحتها، وعندها يستطيب أكلها.

لا شك أن الخنزير لانفراده بهذه الطباع وغيرها مما لم نعرفه بعد، قد كيف الله جسمه لذلك، وأوجد فيه ما يحميه من أذى تلك القاذورات، مما لم يودعه في جسد الإنسان، ولربما لو كانت في جسد الإنسان لأضرت به أو غيرت من مواصفاته المثلى، ويعزز هذا الظن أنه حرم على الإنسان الميتة، فيما أتاح للحيوانات الأخرى أكلها.

إن معارف البشر ما زالت لما تكتمل، فلا يصح أن نحتج بها لمعاندة ما أراده الله لنا، فيكفينا معرفتنا أن الله لا يحرم شيئا إلا لأنه خبيث ضار، ولا يحل إلا طيبا نافعا.

ليدلنا المعاندون المكابرون على شيء واحد حرّمه الله، فيه خير وصلاح للناس .

Loading

شارك على
أكتب تعليقك هنا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.