آخر الأخبار
The news is by your side.

الإصلاح والأمل والمستقبل … بقلم: روبرت وليم اسكندر  .. الطائفية تلعب على الحبلين

الإصلاح والأمل والمستقبل … بقلم: روبرت وليم اسكندر  .. الطائفية تلعب على الحبلين

في البداية لابد من التفريق بين الطائفة والطائفية، فالطائفة مكون من مكونات المجتمع له تقديره، أما الطائفية فهي قيادة الطائفة عندما تمارس النشاط السياسي وتستغل الطائفة في السعي للوصول إلى السلطة. عندها تصير عرضةً لما يتعرض له السياسيون من متقلبات السياسة والنقد السياسي.

الطائفية اليوم تفارق نهج سلفها
كان سلف الطائفية يرعى الأحزاب ولا يشارك فيها كرعاية السيد علي الميرغني، زعيم طائفة الختمية، للحزب الوطني الاتحادي، وكرعاية السيد عبد الرحمن المهدي، إمام طائفة الأنصار، لحزب الأمة واليوم يجمع زعيما الطائفتين بين القيادة الدينية والقيادة السياسية، فخالف زعيماهما ما كان عليه سلفهما من نهج قويم وحكيم، فابتدعا بدعة كبيرة في تاريخ طائفتيهما، فدخلا في تناقضات أبرزها ما كان من الصادق المهدي.

تناقضات حزب الأمة
تناقضات لا حصر لها منذ أن آلت إليه قيادة حزب الأمة، أكثرها تأثيراً على السياسة العامة للبلاد ما هو آتٍ:
١ خرج الصادق المهدي بغرور سياسي على رعاية عمه الإمام الهادي للحزب، فشق بيت الأنصار والحزب إلى نصفين، ثم عاد مؤخراً فجمع بين إمامة الأنصار وقيادة الحزب.

٢ وقف في قيادة المعارضة لنظامي نميري والبشير العسكريين، وشارك في السعي لإسقاطهما عسكرياً، ثم عاد وصالحهما ودخل معهما في شراكة.
وموقفه من نظام البشير يكتسي بالغموض، إن لم نقل بالانتهازية، فابنه عبد الرحمن يشارك في النظام بمستوى رئاسة الجمهورية (مساعد رئيس الجمهورية) وبنته مريم تقف في صف المعارضة وتجوب العواصم الأوربية للمشاركة في لقاءات المعارضة. وصار الصادق المهدي كما يقول المثل السوداني (رجل في الطوف ورجل في المركب) وأخشى أن يقع في الماء بينهما.

٣ وموقفه من ثورة ديسمبر المجيدة يتسم بهذه الازدواجية في المعايير والممارسة، هو مرة ضد التظاهرات ومرة معها، وهو لم يشارك في اعتصام القيادة، ولكنه شارك رسمياً في اليوم الأخير، فنصب خيمته ثم طواها قبل أربع ساعات من فض الاعتصام بالقوة، ولستُ أدري هل هو إلهام إلهي أم معلومات تلقاها من مصدر مجهول!!

٤ ولما آل أمر الشارع بيد قوى الحرية والتغيير شارك بتمثيل رفيع في مفاوضاتها مع المجلس العسكري، وزال التردد عنه بالنجاح الباهر الذي حققته مواكب 30 يونيو، وهو احتجاج غير مسبوق في تاريخ السودان، وفضل أن يركب موجة التغيير القادم بلا تردد.

٥ ظل يدعو إلى الحرية السياسية والتعددية الحزبية، بينما جارى هو بنفسه موجة حل الحزب الشيوعي عندما كان رئيس الوزراء في التجربة الديمقراطية الثانية، ورفض قرار المحكمة العليا ببطلان ذلك الحل الذي صدر من جمعيته التأسيسية التي كان له فيها الأغلبية، ضارباً عرض الحائط بمبدأ فصل السلطة القضائية، زاعماً بأن قرارها غير ملزم له كرئيس للوزراء. وكان ذلك وصمة عار في جبين النظام الديمقراطي تقع في عهده وتحت رئاسته.

٦ وزار الصادق المهدي إيران عقب ثورتها الشيعية وبارك نهج الخميني (الإمامي)، ثم هو في المؤتمرات الإسلامية السنية داعية للتجديد الديني وللصحوة الإسلامية، دون أن يحدد معالم هذا التجديد وهذه الصحوة. أما في تنقلاته بين العواصم الأوربية، فهو علماني يدعو إلى التحول الديمقراطي ومدنية السلطة على النهج العلماني. وهكذا صار للصادق المهدي ثلاثة ألسن: شيعي وسني وعلماني، وتاه حديثه بهذه الألسن وفقد في الخارج البوصلة الفكرية بينما فقد في الداخل البوصلة السياسية فصار كالماء بلا لون ولا طعم.

الطائفية نقيض الديمقراطية
بما أن الطائفية تدعو أتباعها للانقياد السياسي الأعمى لزعيم الطائفة، فإن الديمقراطية تقوم أساساً على حرية الإرادة. الطائفي مسلوب الإرادة لمصلحة زعيم الطائفة، يوجهه بالإشارة. ولا يغرنكم حديث زعماء الطائفية عن الديمقراطية، فهي مفقودة في أجهزة الحزب، فكيف إذا آل أمر الطائفية إلى السلطة؟

الشباب في ثورته يتمرد على الطائفية
وخرج جيل جديد من الشباب، ذكوراً وإناثاً، عالي الوعي السياسي، يثور على النظام العسكري، ولا يأتمر بأمر زعماء الطائفية في مسار ثورته، حتى إذا ركبوا الموجة الثورية وسعوا إلى توظيفها لمصلحتهم في الوصول للسلطة، زعماء الطائفية كالسمك لا يستطيع أن يعيش خارج الماء (السلطة). فهم بدافع الطمع في السلطة، أو التنافس عليها، مستعدون لمصالحة الأنظمة العسكرية حتى ولو ألقت عليهم بفتات السلطة. كما هم مستعدون للتخلي عن الأنظمة العسكرية والوقوف مع الثورة الشعبية، ولو بركوب موجتها ورفع شعاراتها إذا لاح لهم بريق السلطة، لهم ولأبنائهم، من خلال مجريات الثورة. وهم على أتم الاستعداد لتقبل المنشقين عنهم لدى عودتهم إلى الحضن الطائفي الأم، مادام هؤلاء المنشقون العائدون يعملون على (تكبير الأكوام) الطائفية!!

وبلغ الزعماء الطائفيون سن التقاعد السياسي، فهم إنما يمهدون الطريق لأبنائهم وبناتهم.. فالشأن الطائفي وراثي، وكأنه ملكية وراثية، وما هكذا الديمقراطية التي تمحو الطبقية الوراثية، ولا تفرق بين انتماءات الأفراد ومكانتهم الاجتماعية. ونشأ هذا الجيل الجديد متمرداً على الطائفية وعلى وراثاتها الطائفية.

وأسوق مثلاً من الواقع، فقد طال أمد الثورة السودانية حتى تتكشف جملة من الحقائق، منها أن هذا الشباب لا يأتمر بأمر زعماء الطائفية، فقد كان رأي الصادق المهدي المتقلب ألا يخرج الشباب في المظاهرات واصفاً إياها في سخرية لا تليق بالمقام (بوخة المرقة) فواصل الشباب التظاهرات حتى (مرق) النظام!!

وكان لا يحبذ الإضراب السياسي والعصيان المدني، فأضربت مدن السودان الحية، ونجح عصيانها المدني مائة في المائة، حتى مواكب 30 يونيو غير المسبوقة في تاريخ السودان لفظت إحدى بناته خارج تيار الثورة.

لقد نضج وعي هذا الشباب وشبّ عن طوق النظم العسكرية التي انتهى عهدها، كما شبّ عن طوق الطائفية التي دخلت متحف التاريخ. الشباب يتطلع إلى سودان جديد، يحفظ قيم الشعب السوداني ليدخل بها إلى عصر العلم الحديث والتكنولوجيا، والانترنت. لقد قطعت العقليات القديمة في المجلس العسكري الانتقالي خدمة الانترنت، ظناً منها بأن ثورة الشعب هي محركها الأساسي وسائل التواصل الاجتماعي، ولم يدركوا أن روح الثورة سارية في جميع أوصال الشعب وجاءت مواكب 30 يوينو لتخيب الجهالات.

وارتفع وعي الشباب بأن أحزابنا الطائفية واليسارية والإسلاموية هي وراء الانقلابات العسكرية. أول انقلاب في 17 نوفمبر 1958 كان بأمر سكرتير حزب الأمة، عبد الله خليل، وثاني انقلاب في 25 مايو 1969 كان بتدبير شيوعي ناصري، وثالث الانقلابات في 30 يوينو 1989 كان بتدبير الجبهة الإسلامية. هذا جيل جديد يخرج من عباءة الأحزاب والقوى التقليدية ذات الارتباط الوثيق بالانقلابات العسكرية. ومن الخير له أن يكوِّن أحزاباً جديدة بمبادئ سودانية أصيلة، وبرامج سياسية وطنية تجعل مصلحة البلاد هي الغاية والوسيلة معاً.

لقد شاركت الطائفية في الأنظمة العسكرية الثلاثة: نظام عبود في مجلسه المركزي التشريعي، ونظام نميري كوزراء ومشرعين، ونظام البشير كمساعدين لرئيس الجمهورية، وبأبنائهم مباشرةً عبد الرحمن الصادق المهدي وجعفر والحسن الميرغني، وظلوا مع النظام حتى آخر يوم لسقوطه.

هل في جعبة الأحزاب الطائفية واليسارية مفتاح لحل أزمة السودان الاقتصادية المزمنة منذ الاستقلال، والمنقولة من عهد إلى عهد؟ أقصد بمفتاح الحل ذلك المستدام الذي ينهض بالسودان من الدائرة المغلقة للدول النامية إلى الدول الصاعدة ذات الاقتصاد الصاعد، وأغلبها كان قبل عقد أو عقدين كحالنا اليوم من التدهور الاقتصادي الذي أشرف على حافة الهاوية، ثم نهضت بقوة إرادة صميمة لا تعوزنا، فبلغت مرتبة تتشابى إلى مرتبة الدول الصناعية. وهي الآن دول ليست ريعية تعتمد على مصدر الدخل الواحد، وإنما هي دول ذات تنوع وتعدد في المصادر والموارد.

أرجئ تفاصيل هذا الحل الاستراتيجي لأزمتنا الاقتصادية إلى برنامجي السياسي كمرشح قومي مستقل لرئاسة الجمهورية.

هل تملك قوى الحرية والتغيير
تفاصيل لما طرحته من (عدالة اجتماعية) و(رفاه اجتماعي) و(حل للأزمة الاقتصادية)؟؟

الفترة الانتقالية، بحكومتها وبرلمانها، ومدتها ثلاثة سنوات، أمامنا، فهل سنعتمد في سد حاجاتنا الضرورية على المعونات والمنح والقروض التي سينفتح بابها علينا، بعد رفع اسم السودان من قائمة الإرهاب، ورفع العقوبات؟ أما ستوظف هذه الموارد المالية في البدء بمشروعنا الاستراتيجي في الانتقال إلى اقتصاد صاعد؟؟ هل سنواصل الثورة فنحيلها إلى ثورة اقتصادية واجتماعية مسنودة بثورة ثقافية وفكرية؟؟

إن وسائلنا للنهوض متوفرة، إذا رفدناها بكيان اقتصادي تكاملي مع دول الجوار، بخاصة إثيوبيا، في عالم لا يعترف إلا بالكيانات الاقتصادية الكبيرة.

النظام الرئاسي هو الخيار الملائم في الدستور القادم
النظام البرلماني هو النظام الملائم للفترة الانتقالية وقد نص الاتفاق السياسي عليه في ديباجته. ذلك بأنه الأكثر تمثيلاً للشرعية الثورية، وجماعية الثورة التي ترفض حكم الفرد المستبد. وهو يستند للحكومة والبرلمان.
أما النظام الرئاسي فهو الأنسب للأوضاع المستقرة في بلد لابد له من اعتماد الفيدرالية في الإدارة، وهو كالتوءم للفيدرالية، ونموذجه الولايات المتحدة والاتحاد الروسي، ذات السعة في المساحة كالسودان. هذا علاوة على أنه يستوعب التعدد في الأعراق والتنوع في البيئات الجغرافية.

فهل سندخل بعد الفترة الانتقالية في النظام الرئاسي بهذه الأحزاب الطائفية، وأحزاب (الفكة) التي تزيد على المائة حزب؟ أم أن الحراك السياسي في الثلاث سنوات القادمة سيصفي هذه الأحزاب التي تفتقر إلى الفكر الاستراتيجي لبناء دولة حديثة صاعدة؟ الأحزاب السياسية، بالمفهوم العلمي، مؤسسات قوية ذات قاعدة عريضة تنجب مرشح قوي لرئاسة الجمهورية، وإلا فليكن من المهنيين المستقلين الذين لم يخوضوا في متقلبات السياسة من قبل، وما يرجحهم هو البرنامج ذو الرؤى الاستراتيجية والفكر السياسي لبناء سودان جديد بالكلية. لماذا لا يعطى الشعب الفرصة للمهنيين، كما سيعطيها لهم في الفترة الانتقالية إدارة الحكومة حتى يديروا الدولة من موقع رأس الدولة، مستعينين بحكومة مهنيين؟

مع تحياتي ، ، ،

روبرت وليم إسكندر
المرشح القومي المستقل لرئاسة الجمهورية

Loading

شارك على
أكتب تعليقك هنا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.