آخر الأخبار
The news is by your side.

ابنة الوردفلي … قصة قصيرة

ابنة الوردفلي … قصة قصيرة

بقلم: د. سيد شعبان

أعمل ماسح أحذية، الناس دائما لا يأبهون بمن يجلس تحت أقدامهم، مثل جرو متشرد أتشمم روائح كريهة من جواربهم، الكثير منها من لونين مختلفين مصابة بالبلى مثل تلك المدينة العجوز، آثار التراب تغلف الشوراع تترك طلاء الأبنية باهتا، هذا مقزز؛ لذا عقدت العزم أن أضع سترة واقية على أنفي، تقولون هذا يثير الزبائن، حدث في مرات كثيرة أن تحاشى هؤلاء أن يأتوا إلى طاولتي، تمسكت بقراري، إمعانا في الوجاهة ارتديت زيا أبيض وقفازين، مشكلتي في هذه الأنفة التي ترتسم على وجهي، في القديم كان جدي يمتلك بقرة وثورا، له أرض تروى بالساقية، ابنة الوردفلي الجملية تحبه، باع البقرة وذبح الثور، فرت الأتان البيضاء، كادت النسوة لها؛ فالغيرة تأكل أكبادهن، سرقن منديلها المعطر بأريج الليمون،والمزين بورد انتشى بقطرات الندى، بحن بجمالها لساكن البيت ذي الواجهة البيضاء الذى تميزه النافذة الكبيرة ذات الاستدارة الواضحة.

يا لجمال ابنة الوردفلي!

ماتزال الحكاية في بدايتها، خرج جدي في الظلام،حين غاب القمر،يقال إنه قد أصيب بالتعب لا يتخلف عن أداء عمله الموكل به.

خدعت ابنة الوردفلي بأوهام صاحب البيت الأبيض ،أدخلها إلى البيت؛ محتالا مع شروق الشمس، ومن يومها نسيت جدي، أما هو فقد ظل الشتاء كله ينتظرها ،ولما جاء الربيع،غادر المكان.

ابتلعته المدينة التي تطحن الغرباء، نفدت أمواله، يقال إن عتاولة السيدة ضربوه، عمل حمالا، وأحيانا خبازا، وفي الأخير امتهن هذه الحرفة التى توارثها أبي عنه، وها أنا بطبيعة الانتماء لهما أفعل نفس الشيء، الأبناء يحملون تراث الآباء.

يرتهنون بمهنتهم.

مضت سنوات لست أذكرها، ارتدى جدي الطربوش الأحمر، يوم زار القرية للمرة الأخيرة سخروا منه، أنى له أن يضع هذا الطربوش وقد كان قبل يسحب وراءه البقرة والثور ويمتطي الأتان البيضاء؟

أما أبي قالوا عنه أتى وجولدا تعبث بسماء المحروسة، بحثت عن سيرة ابنة الوردفلي، حملت صندوق الأحذية، ظللت هنا ثلاثين عاما، جوار النهر، انتظرت القادمين، كنت أبيت هناك، المارون في ليالي الشتاء وهبوني حساء لحم، يوصون بي صاحب المطعم فيرسل إلي السمك المشوي،الثياب كانت دافئة.

ظللت هكذا،حتى كان طوفان من بشر، من كل مكان جاءوا إلي بملامح تشبه ابنة الوردفلي؛ استطعت الوصول إلى صورة لها، بل تعرفت على بناتها إنها تقرب لي!

الفأر الأسود عرف مكاني، طاردني من شارع لآخر، هربت منه إلى باب الحديد، ثم العتبة، وشارع طلعت حرب، ولأن لدي حلم؛ نظفت كل أحذية القادمين، حفيداتها كن رائعات، طلبن أن أقص حكاية جدي حين أحب ابنة الوردفلي، سعيدا بدأت السرد ،غبت يوما ويوما، خسارتي الفادحة صندوقي صار طرائق قددا.

في تلك الليلة كنت واقفا في شوارع المحروسة، فتاة جميلة أمسكت بيدي،تشبه ابنة الوردفلي، شعرها المرسل، خدها أشبه بتفاحة، شبح ذو لحية سخر مني، غازلها بعينيه النزقة، في غفلة سرقها، بكيتها؛ فقد مللت الانتظار.

لا طاقة بي كي أنظف أحذية ممزقة لقلوب تحتاج طهارة.

الفتاة التي تشبه ابنة الوردفلي دمها غطى أرضية الجزيرة الخضراء وسط الميدان.

ترى متى يعود الربيع ينثر أريج عطره علي القادمين من كل مكان؟

Loading

شارك على
أكتب تعليقك هنا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.