آخر الأخبار
The news is by your side.

أهربوا، أنجوا بحياتكم فحسب… بقلم: قور مشوب

لتعرف بالتحديد، الوضع المأساوي، الذي وصلت إليه الأوضاع، في جنوب السودان، عليك بالعودة إلى الوراء قليلاً، إلى العناوين الكبيرة والصغيرة لوسائل الإعلام، في الأيام القليلة الماضية، لتُدرك ما يحدث، ولتفهم طبيعة الوضع الراهن.
بالطبع، هناك الكثير من العناوين المُثيرة: قتل، إغتصاب، نهب، إختطاف، إعتقال، إعتداء، إستعباد، مجاعة، وغيرها. كُل هذا، لا يترك مجالاُ للتفاؤل، إطلاقاً. في الحقيقة، هذا مؤشر على إن الوضع يمضي من سيء إلى أسوأ، بأن الأيام القادمة ستُمثل ذروة الأحداث، بلا شك.
صحيح، لقد تم التوقيع على إتفاقية سلام، قبل فترة، في السودان، وسيكون هناك إحتفالٌ به، يوم غداً، في جوبا. لكن، ثمة شعورٌ عام بالأسف، بالحزن، بخيبة الأمل، والإستياء، لإستمرار الوضع على ما هو عليه، التدهور الكبير في شتى مجالات الحياة، وأخذ الأوضاع منحنىً أكثر صعوبةً وتعقيداً.

«1»
الكثير من المشاعر، يمكنها أن تُعبر عن حالة المواطن البسيط، حالياً. ببساطة، لأنها ظلت تُشاهد، لم تتدخل سريعاً، وتركت الأوضاع تصل إلى هذه المرحلة. بالتأكيد، هي تتحمل كامل المسؤولية، دون نقصان، عن هذا الوضع.
حسناً، عندما تقوم الحكومة، بتخصيص مبلغ «700» مليون جنيه للإحتفال بالسلام، في وقتٍ يشكو فيه طلاب جامعة جوبا من الجوع، تقوم أم بإلقاء طفل حديث الولادة في النفايات، يغتصب دستوري طفلة في قلب العاصمة جوبا، يغتصب شاة فتاة في واو، يُعاني «20» ألف طفل من الجوع، تُغتصب فتاة حتى الموت في تركيكا، تقتل الشرطة مواطناً رمياً بالرصاص.
أكثر من ذلك، أن تُعتقل لمجرد وجود علاقة قرابة لك بشخصٌ من المعارضة، تصبح الحكومة وصية على الآخرين، يلعب رجال الشرطة والجيش دور البلطجية وقطاع الطرق، يُمنع فنان من ممارسة حُريته في الغناء. بعد كُل هذا، كيف لمواطن أن يُعيش آمناً، في بلده؟ ألا يخاف من الموت؟

«2»
طبعاً، الفاجعة الأكبر، ليست في المبلغ المرصود، بل في الغاية منها. فالحكومة تنفق هذا المال في المكان الخطأ، فمن الأولى صرفه وتخصيصه للذين يُعانون من الجوع من الطلاب والأطفال، فهؤلاء يحتاجون للطعام، للبقاء على قيد الحياة أكثر من السلام، لأنهم حينها، سيستطيعون الإحتفال. هذا، في حد ذاته، يُمثل قائمة الأولويات المقلوبة للحكومة.
أما الآن، فإن هؤلاء لا يمتلكون ترف الإحتفال بالسلام، طالما هم يعانون من الجوع، يفتقدون لأبسط الإحتياجات.
الكثير من التساؤلات، تقفز إلى الواجهة، هنا: ألا يوجد، حالياً، من يُفكر خارج الصندوق، في الحكومة؟ لماذا لا يُوضع طلاب جامعة جوبا في الإعتبار؟ لماذا لا تهتمون بحياة «20» ألف طفل؟ ألا يدفع، إحضار الطالبات لذويهم من الأطفال إلى الجامعة لتناول الطعام، الحكومة، للتفكير والتساؤل؟

«3»
ما هو أقسى، أن يغتصب دستوري طفلة، يغتصب شاب فتاة، وأن تُلقي أم بطفلٍ في النفايات! هذه الجرائم، يتحمل مسؤوليتها الجميع، حكومة ومواطنين، ولا يمنع ذلك، من الإعتراف بالحقيقة، كاملةً. حقيقة أننا، جميعاً، شُركاء فيها بالصمت، التواطؤ، التقصير، وعدم توفير الأمن والإطمئنان للأطفال، ليكبروا في أجواء صحية ونقية.
صحيح، العدالة أخذت مسارها، في قضيتي الإغتصاب. لكن، ما هي العقوبة؟ فقط، عشر سنوات، في القضيتين!
هذه المدة، هي بمثابة مكافأة لهم، وتُشجع غيرهم، على إرتكاب مثل هذه الجرائم، في المستقبل. في هذه الحالات، ينبغي أن يكون الحكم رادعاً، يضع حداً لمثل هذه الجرائم، ويُشعر الضحية ببعض الراحة لأن العدالة قد عاقبت المجرم.
بالطبع، هذه الجرائم توضح حجم المعضلة الأكبر، التي نواجهها، حالياً: أزمة ضمير وعدم المسؤولية. هذه الأزمة، يُعاني منها الجميع. هي لا تقف عند أحد، فالجناة يمثلون مختلف أفراد هذا المجتمع: دستوري، مواطن، وأم فقيرة وغير مسؤولة.
بالنسبة لـلأم، ربما لم تستطع مواجهة المجتمع: لأنها خافت من مواجهة الخطأ الذي إرتكبته، تحمل مسؤولية تربية الطفل، عدم قدرتها على مواجهة والده به أو خشيت عدم إعترافه به، خشيت الفضيحة، لم تستطع مواجهة أهلها، .. إلخ. لكن، ذلك لا يمنع تحميلها المسؤولية، كاملةً، لأنها بما فعلته تكون قد أجرمت مرتين: جاءت بالطفل إلى هذه الدنيا، وأبعدته منها!

«4»
في كل هذا، الجانب الأكثر خطورةً، يتمثل في العمل المروع الذي تقوم به الوحدات الحكومية، بكل مسمياتها.
ليس عادياً، أن يتجاوز أفراد تلك الجهات، حدودهم. هؤلاء، بدلاً من أن يقوموا بتوفير الأمن للمواطنين، لعب دور في إستقرار البلاد، والدفاع عنها، تجدهم يقومون بإزعاجه، أكثر. لقد إستباح هؤلاء، العاصمة جوبا، وكل مدن البلاد، وحولوها إلى سكنات تابعة لهم، ليقوموا بترويع المواطنين، تهديدهم، اللعب بحياتهم، إعتقالهم، لعب دور الوصي عليهم، قتلهم، نهبهم، إختطافهم، الإعتداء عليهم، وإستعبادهم.
إطلاقاً، هذا ليس ما نتوقعه منهم. بالطبع، على الحكومة أن تفعل شيئاً بخصوص هؤلاء، وتضع حداً لهم. هذا الواقع، لا يعجب أي مواطن. ماذا يتبقى للمواطن، عندما يكون مهدداً في أمنه، سلامه، إستقراره، وحريته، في الشارع، العمل، مكان راحته، ومنزله. في النهاية، هذا يُفسر له بأن الوطن كله قد أصبح هكذا، وليس هناك مكانٌ آمن.

Loading

شارك على
أكتب تعليقك هنا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.