نور على نور: في الإسلام لا يوجد إلا عيدان
نور على نور: في الإسلام لا يوجد إلا عيدان
بقلم: د. هاشم غرايبه
في الإسلام لا يوجد إلا عيدان: الفطر والأضحى، ورمزية العيد أنه مناسبة للفرح والاحتفال بحدث معين، لكن ذلك لا يمنع من إحياء الأمة للذكرى السنوية لأحداث هامة، سواء كان انبثاق فجر الدعوة أو الهجرة أو الانتصار في معركة فاصلة.
ولا شك أن التغيير الجذري الأهم في حياة البشر كان هدايتهم عن طريق الرسالة المحمدية، لذلك يحق للمسلمين استذكار مولد من كان على يديه تلقيهم رحمة الله ونعمته الكبرى على البشر، فكانت نجاتهم بإذن الله: “وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا” [آل عمران:103].
ولأن الذكرى تنفع المؤمنين، فلا مانع من إحيائها لاحياء الههم العليلة واستنهاض العزائم المحبطة، خاصة في زمن الهوان الذي نعيشه، الذي فرض فيه الغرب المستعمر لقرارنا السياسي علينا أن نترك منهج الله ونتبع منهجه، ولأن القدوة الفذة هي خير ما يحتذى، فلا أعظم نفعا للناس في كالعصور من استعادة سيرة أعظم من عرفه التاريخ، فكان الأسمى منزلة بين كل البشر، والأرفع ذكرا: “وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ” [الشرح:4]، وثبت ذلك فعليا، فالإسم (محمد) هو الأكثر استعمالا في تسميات المواليد بين كل الأسماء الواردة في كل اللغات، كما أنه لا يوجد شخص غيره يحظى بمحبة الناس أكثر من حبهم لأنفسهم، بل إن هنالك أكثر من مليار إنسان مستعدون بالتضحية بأنفسهم بلا تردد فداء له وانتصارا لذكره.
ما يمكن الاقتداء به واتباع سنته يشمل جوانب عديدة ينتفع بها المرء في دنياه، ويرتقي منزلة عند الله، وليس من بينها قطعا، ما يعتقده سطحيو الإيمان بمشابهته في مظهره أو لباسه، لأن ذلك كان وفق عادات وتقاليد أهل ذلك الزمان والمكان.
وأما ما يجب الاقتداء به من تلك الجوانب:
1 – أصدق وصف لرسول الله صلى الله عليه وسلم، بأنه قرآن يمشي عل قدمين، ويعني ذلك أنه كان ملتزما بكل ما أمر به كتاب الله ومنتهيا عن كل ما نهى عنه، ومستجيبا لكل ما دعا اليه من مكارم الأخلاق، ومثمثلا لكل ما بينه من مثل عليا.
بذا كانت أفعاله وأقواله تطبيقا حيا لكل جوانب حياة المسلم المثالي وسلوكاته، لذلك فكل اقتباس من سيرته فيه ارتقاء وسمو، وكلما كان أكثر كلما اقترب المرء من اكتمال الصلاح.
2 – كان صلى الله عليه وسلم ومع استقامته على أمر الله معتدلا في كل شيء.
في الحياة اليومية كان قريبا من الناس، يعيش كأواسطهم، لم يكن زاهداً أو متنسكا، بل مقبلا على متع الحياة وزينتها التي أحلها الله فيلبس الملابس الأنيقة النظيفة، ويتطيب بالعطور، ويأكل أطيب الطعام، لكنه لا يلبس ما يميزه عن عامة الناس، ولا يأكل غير ما يتاح لهم أن يأكلوه، ويقنع بالقليل والبسيط، ويستطيبه ويحمد الله عليه كاستطابته للنفيس منه.
في العبادات كان يحرص على الاعتدال فيها، حتى يقطع الطريق على المغالين، لأنه لو أتاح المجال للمزاودة، فسوف يصل الأمر بالمتنطعين أن يشقوا على الناس ويحملوهم مالا طاقة لهم به.
إذ جاء رده قاطعا على الثلاثة الذين زاودوا على عبادته صلى الله عليه وسلم، فقال لهم: أمَا واللهِ إنِّي لأخشاكم للهِ وأتقاكم له لكنِّي أصومُ وأُفطِرُ وأُصلِّي وأرقُدُ وأتزوَّجُ النِّساءَ فمَن رغِب عن سنَّتي فليس منِّي” [حديث صحيح].
3 – المعروف أن الصَّلاةُ من اللهِ تعالى على العَبدِ ثناؤه عليه عند مَلائِكته: “هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ” [الأحزاب:43]، وأن صلاة الملائكة على المؤمنين هي الدعاء الى الله لهم بالرحمة والمغفره، لكن الله تعالى خص نبيه الكريم من بين كل البشر بأن دعا المؤمنين للصلاة والتسليم عليه: إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب:56].
إن استعماله تعالى ال التعريف في (النَّبِيِّ)، تعني الإفراد، فالأنبياء كثر، لكنه جاء هنا بلفظة المفرد، لذا فإن المقصود بالإخبار عمن يصلي الله وملائكته عليه، وعمن أمر المؤمنين به في كتاب يتلى الى يوم الدين، هو قصرا وتحديدا محمد صلى الله عليه وسلم.
لذلك يحق لمن اتبعه أن يطمئن أنه على الصراط المستقيم، ويفتخر بأنه يتبع أكرم خلق الله طراً، وسيد الرسل والأنبياء جميعا.