مناظير … بقلم: زهير السراج
رفقا بقلوب بناتكم !!
* من أوجب واجباتنا أن نستمع الى الشباب بقلب مفتوح، وعقل مضئ، ونعطيهم الثقة والأمان لقول كل ما تختزنه أنفسهم، ونحاورهم بهدوء، ونحثهم على تحقيق رغباتهم فى الحياة، بدون أن نفرض رأينا عليهم، او نسخر منهم، وأن نتح لهم الفرصة لتنمية مواهبهم .. فهذه هى الطريقة الوحيدة لخلق أجيال متماسكة، وشباب يثقون فى أنفسهم وفى من حولهم، فيتحقق الأمل المنشود بالتخلص من الابوية المزمنة التى ظللنا نتعامل بها مع الأجيال الجديدة، ومن ثم التحول الى مجتمع مفتوح يجد فيه الجيل الجديد كل الفرص لصناعة الحاضر والمستقبل، والإحساس بأنه يجب أن يكون فى الريادة، حتى ينجح فى تحقيق ذاته، وتطوير مجتمعه والنهوض ببلاده، ويتحمل مسؤولية القيادة وتنشئة أجيال لاحقة خالية من تعقيدات الابوية المفرطة وعدم احترام اختلافاتنا، وكل العقد والمشاكل التى ظلت تتسبب فى تقوقعنا وتراجعنا الى الخلف، وفى الهوة الشاسعة التى تفصل بين أجيالنا المتعاقبة، وتخلق عدم الثقة وتصنع البؤس الذى نعيش فيه !!
* أتابع بشغف شديد بعض ما يُنشر من تعليقات وما يدور من حوارات بين الشباب من مرتادى مواقع الصحافة الاجتماعية، وأتداخل معهم فى بعض الأحيان لإبداء الرأى .. وأحاول تشجيع البعض للتعبير عن انفسهم بكل حرية وصراحة، وتنمية مواهب مدفونة لديهم قد تكون فى حاجة الى من يلفت نظرهم إليها، ويحثهم على إشراك غيرهم فيها، فيحسوا بقدرتهم على صنع شئ يجتذب الآخرين، فيبدأوا مسيرتهم نحو النبوغ والتفوق ..!!
* سأخصص إعتبارا من هذا الاسبوع يوما أو يومين، لإستعراض كتابات الشباب من الجنسين، وأبدا بالشابة الصغيرة ذات السبعة عشر ربيعا (فاتن المغربى) التى أحبت أن تخص بها (مناظير) وتشرككم من خلالها فى إحدى تجاربها الحياتية بكل شفافية وصراحة، والفرصة مفتوحة لكم للتعقيب والتعليق.
* حبي لأبي شئ يفوق الخيال حتى أنني أعتقد بأني كنت أحبه اكثر من امي .. منذ نعومة اظافري و أنا اعيش في دلال مفرط سواء كان من أبي او بقية اهلي من الجانبين ، لكن امي كانت تضربني بإستمرار على كل صغيرة و كبيرة ، و كان ذلك السبب الاساسي في قربي من ابي ، اذ انه لم يرفع يده علي قط ، كنت احصل على كل شئ أريده و أحياناً قبل ان أطلبه، حتى انني حصلت على جهاز موبايل عام 2003 عندما كان عمري 3 سنوات فقط ، قبل ان يحصل امي وأبي عليه !!
* الروضة و المدرسة كانتا بالقرب من بيتنا، لذلك كان ابي يحمل لي حقيبتي من وإلى المنزل، وعندما اخرج من الفصل عند جرس الافطار، اجده بإنتظاري و معه إفطاري وكل ما احبه وأشتهيه، ولا استطيع ان اخبركم عن مدى سعادتي آنذاك ..
* عندما كبرت قليلاً، سافرت في احدى اجازاتي إلى مدينة اخرى انا و جدي والد امي، و بعد وقت جاءت امي ايضاً، و هنا كانت (القلبة) الكبرى في حياتي ، لقد تطلق والدايّ، ولم يخبرني أحد لصغر سني اذا كنت في السابعة، و أكملت سنتي الدراسية في تلك المدينة انا وأمي، ورغم ذلك لم يغير بعد المسافات شيئا في حبى تجاه أبى، و مضى العام و رجعتُ انا و جدي ولم تكن أمي معنا بسبب وعكة صحية، و أقمت في منزل جدي، ولكننى كنت ألتقي بأبي كل يوم، وكنت أشتاق لامي كثيرا، وعندما رجعت بعد عام تعلقتُ بها كثيراً وأحببتها اكثر شيئا فشئ، ولكنها لم تتوقف عن ضربي على كل شئ، ولصغري وعدم نضجي وقتها كنت اكرهها عندما تضربنى ..!!
* مضت الاعوام و كبرت، ونجحت نجاحا باهرا في المدرسة الابتدائية، وكان ذلك السبب في توقف امي عن ضربها لي اذا انها احست بأني أصبحت عاقلة قليلا… بعد ذلك بفترة قصيرة علمتُ بطلاق والدايّ بالصدفة عن طريق حالة أمي الاجتماعية في بطاقة اثبات هويتها، وكانت صدمة كبيرة لي وقتها ، ولكنني تخطيتها بيني وبين نفسي فى صمت شديد .
* عندما كان عمري 15 سنة وانا فى الصف الثالث بالمدرسة الثانوية، حدثت الصدمة الكبرى في حياتي، اذ في يوم اتصل بي أبي واخبرني بأنه قد سافر إلى مدينة اخرى طلبا للعلاج، وحينها غضبت قليلاً لأنه لم يخبرنى ولكنني تفهمت ذلك .. بعد تلك المكالمة بأسبوع، اتصل بى وقال لي بأن الزواج من سنن الحياة (وإلى ما ذلك من حديث)، وقال لي بأنني خطبت فتاة ، و صرت لحظتها جثة هامدة، وبداخلي الكثير من الاسئلة كيف، ومتى، ومن، ولماذا، ولمَّ لم تخبرني، وأسئلة أخرى كثيرة لم أسألها لها، واكتفيت بالرد عليه بكلمة (تمام)، ثم انهيت المكالمة !!
* علمت لاحقا ان امي عرفت قبلى ببضع ساعات، ولكنها جاءت لتخفف عني، وتسألني ما بك، وكأنها لا تعلم شيئا حتى لا انزعج اكثر، و قلت لها لا شئ، و قد مرضتُ كثيراً وقتها، وبعد اسبوع اتصل أبى ليخبرني بأنه عقد قرأنه على تلك الفتاة، و وزاد مرضي عندما علمت بأنه كان يكذب علي بأنه قد سافر للعلاج وهو قد سافر للزواج، وعندما قال لي بأنني خطبت وكان قد عقد قرانه وقتها ..
مرت الايام، واصبحت لا اذهب الى في منزله كما كان فى السابق، واصبح يأتي لي بمصروفي فى منزل خالي، ثم منزل اقربائي، وعند ايام امتحاناتي كنت اقابله في الشارع، يسأل صديقاتي عن الامتحان ولا يسألني، ولا يلقي علي السلام ، مما جعلنى اكرهه أكثر وجاء امتحان الشهادة وامتحنت وظهرت النتيجة و لم تكن درجاتي عالية، ورفض ابي إعطائى المال لاجل دراستي، وعندها وقفت امي في وجه جميع من عارض دراستي للجامعة أو إعادة السنة، ووافق ابي ثم تراجع عن موافقته، فكرهت الدراسة و اتخذت قرارا بإمتناعي عنها، وهنا تدخل عمي واقنعني بأن اكمل تعليمي، وانتقلت للعيش معه في مدينة أخرى للدراسة!!
* كان ابي يعارضنى في كل شئ، حتى انه اصبح يصدِّق كل ما يقال له عني، ويأتي للومي دون الاستماع لي وكانت امي هى الوحيدة التي تقف بجانبي، وفي ذلك الوقت تعرفت على الكثير من الفتيان، وكان الجميع يسألني لماذا تصادقين الكثير من الفتيان دوناً عن الفتيات، لكن لم استطيع ان اخبرهم بكل مشاكلي ولم احب ان افسر اي شئ لاي احد، كل ما كان يهمني ان اجد الامان والعطف الذى افتقده وكنت ابحث عنه، وعندما يتعامل معي اي شخص بلطافة كنت احس معه بالامان و احبه، ولكننى لم ارتكب اي خطأ يسئ إلي او إلى سمعتي، وكان لذلك اثر كبير فى نظرة الاخرين لي، وكان ولا يزال الكثيرون يضربون بي مثل في الاخلاق و التربية وإلى ما ذلك، وحينها عرفت وتفهمت لماذا كانت أمى تعاملنى بقسوة فى بعض الأحيان، وعندما ارى اطفال هذا الجيل، اتمنى لو ان أمهاتهم كانوا مثل أمى !!
* انجبت زوجة ابي ابنا ولم استطع أن اتخذه اخا، وكانت امي تحاول اقناعي، لكن لا استطيع ان افعل اكثر مما حدده الشرع من حق الوالد و بَري له، وحتى اليوم لا يعلم الكثير اسم والدي و انما ينادونني باسم العائلة فقط .. رفقا بقلوب بناتكم.
فاتن المغربى