مستقبل العمل والتحديات لحياة العمال الأفارقة.. آليات تطوير العمل في ظل التطور التكنولوجي
مستقبل العمل والتحديات لحياة العمال الأفارقة.. آليات تطوير العمل في ظل التطور التكنولوجي
تقرير : سوداني بوست
يركز تقرير ” مستقبل العمل في أفريقيا” على المحاور الرئيسية المتمثلة في خلق فرص عمل منتجة وتلبية احتياجات الفئات
المهمشة، ويسلط الضوء على كيفية تأثير الاتجاهات العالمية، وخاصةً اعتماد التقنيات الرقمية، على طبيعة العمل في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى من خلال خلق فرص وتحديات جديدة.
في حقيقة الأمر، لقد أثرت حرب 15 أبريل 2023، سلبيا على قطاعات واسعة من العمالة الرسمية او غير الرسمية في
السودان، وتتشابه أوضاع العمال في السودان أو نظرائهم في الدول الافريقية، حيث يشكو كثيرون من التقدير في العمل، وصعوبة زيادة المرتبات، رغم ارتفاع السلع الأساسية اليومية، يظل الحال كما هو عليه.
تسببت الحرب الدائرة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، في تشريد عشرات الآلاف من العمال من القطاعات المختلفة، ومع استمرار الحرب، يواجه ما تبقى منهم تحديات كبيرة، أبرزها، عدم توفير المستحقات المالية، لأسباب عديدة، أبرزها، عدم امتلاك الغالبية لحسابات مصرفية، ما تسبب الي توقفهم عن العمل.
5 ملايين خسروا وظائف
وبحسب دراسة لمعهد سياسات الأغذية الأميركي، توقعت خسارة 5 ملايين وظيفة في السودان بسبب الحرب، مما يعني أن نصف القوة العاملة في البلاد تقريباً فقدت وظائفها في مجالات عدة، في تقرير نشر على موقع Independent عربية يناير 2024.
ويبلغ عدد المنشآت في العاصمة أكثر من 5 آلاف تتوزع على 46 قطاعاً، أبرزها الصناعات الغذائية والبلاستيكية والجلدية
والكيماوية والملابس والأدوية، ويوجد أكثر من 80 في المئة من مؤسسات القطاع الخاص والمصانع والشركات بالخرطوم.
إحصائية الشباب في القارة الافريقية وأشارت إحصائية في عام 2023، الي أن أفريقيا تمتلك أصغر سكان في العالم، حيث يزيد عن 60% من السكان عمرهم دون 25 عامًا. وهذا يعني وجود أكثر من 200 مليون شاب في أفريقيا، وأصبح معدل البطالة بين الشباب في أفريقيا مرتفع للغاية، حيث يتجاوز 20% في جميع أنحاء القارة. وفي بعض البلدان، يصل هذا المعدل إلى 70-80%.
بينما تعتبر إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى معدل بطالة الشباب فيها الأعلى في العالم، ويفوق 30%، وتواجه النساء الشابات معدلات بطالة أعلى حتى من الشباب في معظم دول أفريقيا.
تعتبر الوظائف الزراعية أكبر حصة من توظيف الشباب في أفريقيا (60%)، لكن معظم هذه الوظائف هي في الزراعة التقليدية المعتمدة على العيش اليومي مع إنتاحية وأجور منخفضة.
قرارات حكومية ملزمة لأصحاب العمل
تأتي القرارات الحكومية الأخيرة التي تعتبر ملزمة لجميع المؤسسات التابعة للدولة والشركات ان تصرف الأجور والاستحقاقات المالية عبر التحويلات المصرفية والتطبيقات البنكية، وهذه الخطوة الرسمية تثير قلق العمال، في ذات الوقت يواجهون صعوبات جمة في التكيف مع هذا النظام الجديد.
قانون العمل لسنة 1997
قانون العمل لسنة 1997، هو الذي ينظم العلاقة بين أصحاب العمل والموظفين والعمال، والأجر يقصد به، مجموع الراتب
الأساسي، وجميع المكافآت الأخرى التي تدفع للعامل بواسطة صاحب العمل، ويشمل قيمة ما يقدمه صاحب العمل للعامل، من طعام، أو وقود أو سكن، أو أي أجر يدفع عن العمل الإضافي أو أي مكافأة خاصة تدفع نظير أداء أي عمل واي علاوات اخري.
ويقصد بعقد العمل أي عقد سواء كان مكتوبا او شفويا صريحا او ضمنيا يستخدم بمقتضاه أي شخص تحت اشراف و إدارة صاحب العمل مقابل أجر أيا كان نوعه على ألا يشمل عقود التلمذة الخاضعة لأحكام قانون التدريب المهني والتلمذة الصناعية لسنة 2001.
مشاكل العمال في ولاية البحر الأحمر
في أواخر شهر ديسمبر 2024، كشف مسؤول نقابي ميناء بورتسودان، عضو جمعية عمال الشحن والتفريغ بميناء
بورتسودان، النقابي جعفر طاهر، 15 ألف عامل لم يتلقوا المستحقات المالية، بسبب عدم امتلاكهم لحسابات مصرفية، لذلك توقفوا عن العمل.
يرى بعض المراقبون، يأتي هذا التطور في ظل قرار مجلس الوزراء وبنك السودان المركزي الذي يلزم جميع الشركات
والمؤسسات الحكومية بصرف الأجور والاستحقاقات المالية عبر التحويلات المصرفية والتطبيقات البنكية، وهو ما أثار قلق العمال الذين يواجهون صعوبات في التكيف مع هذا النظام الجديد.
الحرب تحول العمال الي عطالة
في ذات السياق يقول علي عبداللطيف باسم مستعار لـ’’ سوداني بوست ‘‘ أن حرب 15 أبريل 2023، حولت السودان الي سجن صغير، بعد فرار كل العمال الذين كانوا يعملون في المناطق الامنة، بالخرطوم وولاية الجزيرة، وبعض القادمين من مدن ولايات دارفور الكبرى، هؤلاء أصبحوا عطالة، في وقت هم في امس الحاجة الي العمل، للاعتناء بأسرهم.
يضيف عبداللطيف أن استمرار الحرب في السودان، حول المصانع الي خرابات، و الأسواق الي مناطق مهجورة، هرب مئات الالاف الي دول الجوار، وهذه الأوضاع المأساوية لها تأثير سلبي على حاضر البلاد ومستقبلها، وفي ظل هذا الوضع الحربي المعقد، يجب أن يتم اختراع آليات جديدة، تسهم في خلق فرص عمل جديدة للذين شردتهم الحرب.
الاستعانة بالشركات الأجنبية الأوروبية والأوروبية في تعزيز انتشار العمل عن بعد
ينصح الناشط السياسي علي عبدالرحمن إسحاق بتدريب القوى العاملة والشبابية في السودان، مع التطور المتسارع في العصر الرقمي، وعلى الحكومة والشركات الخاصة أن تستعين بالشركات الأوروبية والأمريكية التي تساعد في تعزيز انتشار العمل عن بعد، والوظائف المؤقتة، وهذا النوع من التدريب يجعل القوى العاملة في معظم الدول الإفريقية، قادرة علي الابتكار والابداع في مجالات العمل المختلفة، في ذات الوقت تشجيع شركات القطاع الخاص على استيعاب مئات الآلاف من العمال المهرة والمبدعين.
مراجعة السياسات الضريبية في الدول الافريقية
تطرق عبدالرحمن أيضا الي بعض التحديات التي تواجه القطاع الخاص المتمثل في توظيف الشركات الخاصة للعمال في القارة الافريقية، خاصة فيما يتعلق بالسياسات الضريبية الباهظة للحكومة التي تجعل معظم القطاع في توفير الوظائف أي بلد إفريقي، يجب على الحكومات مراجعة مثل هذه السياسات التي لها أضرار كبيرة على مستقبل العمال، بل علي الحكومة أن تشرع سياسات تشجع شركات القطاع الخاص والأجنبية أن تلعب دورا محوريا وايجابي في التوظيف، لان السياسات المرنة، تخفف الضغوطات الحكومات، في قطاع التوظيف.
عقود بفترات زمنية محددة
وأوضح عبدالرحمن أن الانفتاح الاقتصادي وتوفر فرص التوظيف في الدول الافريقية، له بعض السلبيات التي يجب أن لا يغفل عنها الناس، هي تتمثل في انخفاض الأجور، بسبب الأعداد الكبيرة من الفئات التي تم توظيفها في قطاع الشركات الخاصة، وقطاع الشركات الأجنبية، و أيضا، انعدام الأمن الوظيفي، في أحيانا تكون عقود العمل بفترات زمنية محددة، يمكن أن تجدد، وفي مرات عديدة يفرض التجديد، ويجب أن لا ينسى كثيرون أن العديد من الشركات العالمية أو المحلية تمارس الاستغلال على العمال، عدم توفر الضمانات الاجتماعية والطبية، يتم توظيفهم في وقت، هم في امس الحاجة العمل، من دون توفير ضمانات إنسانية لهم.
رفع القدرات الفردية والجماعية للعمال
أضاف عبدالرحمن في ظل التطور التكنولوجي يجب تدريب كل الفئات على استخدام المنصات الحديثة التي تساهم في رفع المهارات والوعي لدى هؤلاء العمال، وهذه المسؤولية تقع على عاتق الحكومات الافريقية، وكذلك الاتحادات العمالية، يجب أن لا يكون دورها في الدفاع عن الحقوق وحده، بل أن تساهم في رفع القدرات الفردية والجماعية لهم في ذات، الوقت، للمواكبة مع النهضة التكنولوجيا في القرن الحادي والعشرين، وهذا ما تحتاجه القارة الافريقية الآن.
العمل على تلبية احتياجات الفئات المهمشة
تسليط الضوء على مستقبل العمل، وكشف التحديات التي لا تحظى التغطية الكافية، ودفع عجلة تغيير حقيقي في حياة العمال الأفارقة في ورقة مستقبل العمل في افريقيا، المنشور على موقع ’’ منتدي التنمية في أفريقيا ‘‘، يقوم هذا التقرير بالتركيز على عدة محاورة تعطي الأولوية الرئيسية في خلق فرص عمل يجب أن تكون منتجة، في ذات الوقت، تجتهد في تلبية احتياجات الفئات المهمشة، أشار التقرير كذلك الي كيفية تأثير الاتجاهات العالمية، واوصي باعتماد التقنيات الرقمية، على طبيعة العمل في القارة الأفريقية جنوب الصحراء، بهدف خلق فرص وتحديات جديدة.
تطرقت ورقة مستقبل العمل في افريقيا الي المخاوف العالمية الممثلة من نزوح العمال بسبب التقنيات الجديدة، وكذلك يمكن للدول في القارة الافريقية بناء مستقبل عمل شامل، وهذا بدوره يوفر فرص عمل للعمال ذوي المهارات المحدودة، وأوضح أن الاستفادة من هذه الفرص يتحقق في حال تنفيذ سياسات و استثمارات منتجة حول فئة العمال، تتمثل التحديات في تمكين التقنيات الرقمية الشاملة؛ وبناء رأس المال البشري لقوى عاملة شابة سريعة النمو، وقليلة المهارات إلى حد كبير؛ وزيادة إنتاجية العمال والمنشآت غير الرسمية؛ وتوسيع نطاق تغطية الحماية الاجتماعية للتخفيف من المخاطر المرتبطة باضطرابات أسواق العمل.
إطلاق التقنيات الرقمية للجميع
تضيف مجموعة البنك الدولي في هذا الشأن، مستقبل العمل في افريقيا، ودور المهارات والقطاع غير الرسمي والحماية الاجتماعية في إطلاق العنان لوعود التقنيات الرقمية للجميع، في أواخر شهر يوليو 2019، عندما كانت تستعد الدول النامية للتقدم التكنولوجي والاضطرابات الأخرى الناجمة عن الصدمات المناخية والهشاشة والتكامل الاقتصادي والتحولات السكانية التي ستُحدث تحولاً جذرياً في مشهد العمل، أشار تقرير وقتها للبنك الدولي إلى أن دول أفريقيا جنوب الصحراء قد تستفيد من تبني التكنولوجيا الرقمية بطرق مختلفة عن المناطق الأخرى.
يتطرق تقرير مستقبل العمل في أفريقيا، الي أهمية تسخير إمكانيات التكنولوجيا الرقمية للجميع، وهو جزء إقليمي مُصاحب لتقرير ’’ البنك الدولي عن التنمية ‘‘ في العالم ٢٠١٩، الطبيعة المتغيرة للعمل، إلى أن المنطقة لديها فرصة لشق طريق مختلف عن بقية العالم، إذا ما سخّرت الحكومات والشركات التقنيات الرقمية بشكل صحيح من خلال ضمان وجود سياسات واستثمارات حيوية.
خبراء اقتصاديين في البنك الدولي … والتحديات والنجاحات
بينما يوضح كبير الاقتصاديين في البنك الدولي مارك داتز أن غالبية الدول في القارة الأفريقية تواجه تحديات إنمائية مختلفة، تتمثل في انخفاض مستويات تبني التكنولوجيا الإنتاجية، وزيادة البطالة بين السكان مقارنة بالقارات الأخرى، قال مارك ’’ أن تبني التكنولوجيا الرقمية من شأنها أن تُحدث تأثيرًا إيجابيًا على الاقتصادات ‘‘.
يرى الخبير أن تبني التقنيات الرقمية تساعد الشركات على النمو، وكذلك خلق المزيد من فرص العمل للجميع، وليست لفئة قليلة من المحظوظين، يؤكد أن كل هذا لن يتحقق إلا في حال هيأت الحكومات بيئة عمل مناسبة‘ ومشيرا الي إيجابية سرعات الانترنت العالية في الدول الافريقية ساهمت في زيادة معدل التوظيف، للعاملين الحاصلين على مستوى تعليمي ثانوي وابتدائي، واصبح ليس حصرا على حاملي الشهادات الجامعية وحدها.
يجب أن تشجع الحكومات كي تضمن منافسة سوقية متاحة، وكذلك توفر رأس مال بشري أفضل في مجال ريادة الأعمال والعمال، وبنية تحتية مادية افضل، و أيضا تعزيز القدرات لزيادة الاستثمارات العامة في الحماية الاجتماعية.
أهمية الاستفادة من التكنولوجيا في تطوير مهارات العمال
للاستفادة من هذه الفرص، يقدم التقرير عدة توصيات أساسية للسياسات العامة على الحكومات النظر فيها، بما في ذلك:
ضمان توافر البنية التحتية الرقمية بتكلفة معقولة للجميع – في المناطق الريفية والحضرية، وفي جميع الفئات السكانية – من خلال تطوير لوائح تنظيمية للبنية التحتية الرقمية تحفز المنافسة، وتدعم الوصول الشامل، وتعزيز التكامل بين البلدان لخلق أسواق أكبر.
– توفير بنية تحتية مادية تكميلية، مثل الكهرباء الموثوقة.
– دعم المخترعين ورواد الأعمال اللازمين لتطوير أدوات لرفع مهارات العمال ذوي المهارات المتدنية في مهنهم الحالية، والمهام الجديدة التي سيُمكّنها اعتماد التقنيات الجديدة.
– تطوير تدخلات لتسهيل رفع إنتاجية المزارع والشركات غير الرسمية، وتطوير مهارات عمالها.
-توسيع نطاق تغطية أنظمة الحماية الاجتماعية والعمل، لاسيما للعمال، تحفيز ريادة الأعمال والمخاطرة لدى العمال، وتسهيل انتقالهم بين الوظائف.
قالت زينب عثمان، اخصائية التنمية الاجتماعية في البنك الدولي، ومؤلفة التقرير: “نعلم أنه لن يكون من السهل إرساء الأسس اللازمة للاستفادة من التحول الرقمي والاقتصادي الأوسع في أفريقيا، ولكن ذلك ممكن”. وأضافت: “مع دعم صانعي السياسات الحكومية والاستثمارات التجارية للتغييرات اللازمة، يتمتع الجيل القادم من العمال والمخترعين ورواد الأعمال الأفارقة بالقدرة على الابتكار والازدهار”.
تأثر القارة الافريقية بالتحديات …. وفرص دعم الوظائف الجيدة
في ورقة نشرت على المركز الأفريقي للتحول الاقتصادي عام 2022 ’’ African Center for Economic
Transformation ‘‘ بعنوان، مستقبل العمل في افريقيا : ثماني فرص لمؤسسات تمويل التنمية، مشيرة الي أن السوق
الافريقي في الوقت الحالي، لا يوفر فرص عمل كافية، والوظائف المتاحة ليست بجودة كافية لتمكين الأفارقة من عيش حياة كريمة خالية من الفقر.
أكدت الورقة سوف يظل مستقبل افريقيا متأثرا بالتحديات الحالية، ولكن هناك أيضًا العديد من الفرص الجديدة في مختلف القطاعات – مدفوعةً بالانتقال إلى الاقتصادات الرقمية والخضراء، وزيادة التجارة القارية، وإمكانات النساء والشباب في أفريقيا، وقطاعها غير الرسمي.