كلام عابر … بقلم: عبدالله علقم
لا كرار ولا غير كرار
أعفي الدكتور السفير كرار التهامي من منصبه وعين خلفا له السفير عصام عوض متولي أميناً عاماً لجهاز شؤون السودانيين العاملين بالخارج استمرارا للعجز الذي يمارسه هذا الكيان منذ إنشائه في سنوات النميري. أنشأ نميري جهاز المغتربين في سنوات السبعين من القرن الميلادي الماضي لغرض تحصيل ما يمكن تحصيله من عرق المغتربين لما تراكم التراجع الاقتصادي وتصاعدت الأزمات الاقتصادية مع تراكم السياسات الخاطئة والإنفاق الحكومي غير المرشد بمعايير تلك الايام. وإحكاما لقبضة الدولة على المغتربين أقتطعت ثلاث سنوات من عمر جواز سفر المغترب ليصبح سنتين بدلا من خمس سنوات وأصبح بذلك أقل جوازات السفر في الدنيا عمرا، وربط تجديد جواز المغترب في غربته ومنحه تأشيرة الخروج عندما يعود لوطنه بسداد الاتاوات المفروضة،ولكن مع شيوع استخدام نظام الجواز الالكتروني المتبع عالميا والذي لا تقل مدة صلاحيته عن خمس سنوات، عاد للمغترب، كرها لا طوعا، حقه في حمل جواز سفر لا تقل صلاحيته عن الجوازات الأخرى.
جهاز المغتربين لا يملك صلاحيات تنفيذية يكفلها ويوضحها دستور أو تشريع، فهو ليست الجهة التي تمنح إعفاءات أيا كانت للمغترب ،وليس لديه الصلاحية لمعالجة قضايا التعليم والعلاج وغيرها من القضايا المزمنة التي تؤرق المغتربين. هو جهة تقدم مقترحات للسلطات الحكومية الأخرى أخذتها أم تركتها،وحتى الأمين العام للجهاز يتبع لوزير رئاسة مجلس الوزراء وأحيانا لوزير الدولة في رئاسة مجلس الوزراء، بمعنى أنه موظف ولكن بدرجة رفيعة نوعا ما، ليس غير. الأمين العام للجهاز ايا كان،وهو منصب تعاقب عليه ثلاثة أمناء رابعهم القادم الجديد، من كوادر الحزب الحاكم ولا يملك مسحة أو صفة قومية ما، ويضع بطبيعة الحال موجهات ومصلحة انتمائه الحزبي أو العقائدي فوق مصلحة المغترب،وقبل أي مصلحة عامة قد تتعارض مع سياسات ومصلحة حزبه، بمعنى أن المغترب يأتي ثانيا أو ثالثا. ثلاثة منهم يحملون لقب سفير، بما فيهم القادم الجديد،وهو لقب اكتسبوه بمبدأ التمكين وحده. القادم الجديد سفير عامل في وزارة الخارجية، ولكنه قطعا لم يبلغ منصب السفير، ولم يوظف في وزارة الخارجية اصلا عبر تنافس شريف متاح لكل أبناء جيله من السودانيين كما كان متبعا في وزارة الخارجية في أزمنة مضت.
جهاز المغتربين نجح أيما نجاح في الغرض الذي أنشأه نميري من أجله، وهو تحصيل الجبايات المختلفة من المغتربين مع أن هذه الجبايات يتحصلها الجاز وتتحصلها السفارات نيابة عن جهات حكومية اخرى، ولعل من أفضل انجازات الجهاز التخلي عن مهمة الجبايات نيابة عن الآخرين فاصبح المغترب يدفع الجبايات المفروض عليه في أمكنة اخرى غير مكاتب جهاز المغتربين. تغير مكان الدفع وظلت الجباية وطريقة انتزاعها كما هي. ما روج له أو ما انجزه جهاز المغتربين من دراسات الهجرة والمساعدة القانونية للمغتربين في دول المهجر المغتربين ومصفوفة حوافز المغتربين وإلى غير ذلك من العناوين لا يجد لها المغترب أثرا في بلدان المهجر قياسا بالسعودية التي تحتضن أكبر عدد من السودانيين العاملين في الخارج. ظلت هذه العناوين مجرد جهد، أو سمه ترف، ذهني لا يمس حياة المغترب. يظل جهاز المغتربين آلية غير مفيدة للمغترب حتى لو حاولوا اكسابها وجها إنسانيا مختلفا.
لا كرار التهامي ولا غير كرار التهامي يستطيع توجيه هذا الكيان الأعرج ليكون ذا نفع للمغترب، فالفتق الذي يتسع سنة بعد سنة منذ نشأة الجهاز أكبر من قدرة كل راتق. والحال كذلك، لماذا لا تصرف جيوش المتبطلين والمنتفعين الذين يعج بهم الجهاز لأماكن أخرى أكثر حاجة لهم،وقد جاء امين سابق للجهاز بعدد وفير منهم، ويتعامل المغترب مع جهات الجباية كالعادة كلما جاء للوطن وأراد استخراج تأشيرة خروج، يدفع وينصرف لحاله، وهو الغرض الأساسي الذي قام من أجله جهاز المغتربين، أما إذا أفرطنا في التفاؤل، وكانت هناك فعلا جهة تمنح إعفاءات للمغتربين، أو كانت هناك إعفاءات فعلا للمغتربين، فلن يحتاج الأمر لأكثر من نافذة صغيرة في وزارة التجارة أو وزارة المالية أو اي نافذة ملحقة بأي وزارة، تستلم من المغترب سندات الجباية والتحويلات ويستلم المغترب بالمقابل وفي نفس اللحظة سند الإعفاء الجمركي أو أي امتياز آخر، وكان الله يحب المحسنين.وأفرط اكثر في التفاؤل والخيال فأتمنى أن تتم هذه الاجراءات الكترونيا. يمكن بعد ذلك استغلال مباني الجهاز في الخرطوم وفي الولايات لأي أغراض علاجية أو تعليمية، وبذلك يكون قد أغلق باب من أبواب الصرف غير المبرر للمال العام، وإذا نجحت التجربة، تطبق مع جهات حكومية أخرى مماثلة.