آخر الأخبار
The news is by your side.

كفانا خداعا للناس..!

كفانا خداعا للناس..!

بقلم: كريم: الشاذلي

نكذب على الناس حينما نخبرهم أن بإمكانهم جميعاً النجاح! نلعب بأفئدتهم حينما نحكي قصص من صنعوا المستحيل، وحطموا القواعد، وأذهلوا الدنيا!

نخدعهم حينما نضعهم في زاوية ضيقة، وننهال عليهم بكلمات كالسياط عن وجوب إخراج المارد الكامن، وتحرير الشخصية الأسيرة، والوصول إلى قمم المعالي!

بحسن نية أو ربما بسوء نية نغفل دور الظروف الاجتماعية، والسياسية، والبيئة والتربية، والإرث الجاثم فوق صدورنا، ونحن نتحدث عن إمكانية كل واحد ـ هكذا نقولها بكل صلف ـ في الوصول إلى الأحلام وتحطيم المستحيل!

نختصر مشكلة الإنسان في مشكلات الإنسانية، ونطرح الحلول وكأن الناس قد تشكلوا من طينة واحدة، وشربوا من معين واحد، وخبروا الحياة بنفس النضج والوعي والثبات.

في حديث عبقري للنبي محمد صلى الله عليه وسلم يخبرنا فيه أن يأتي النبي يوم القيامة وليس معه أحد، خالي الوفاض من الإنجاز، صفر في تحقيق النتائج الإيجابية، لكنه مع ذلك لا يصفه بالفاشل، بل يخبرنا أن أبواب الجنة تفتح له يدخل منها راضياً ممتناً، ذلك أن الله ـ سبحانه وتعالى ـ لا يتعامل معنا بمنطق البشر، بل إنه ـ جل اسمه ـ يعاملنا بمبدأ الجهد المبذول لا النتيجة المتحققة من جهة، والإعذار على ما لم نقدر على تحقيقه لأن الرياح أتت بما لا تشتهي السفن، وعليه فإن الظرو عامل مهم جداً في تيسير أو عرقلة عجلة النجاح..

وللأسف الموجب للاعتذار أنني كنت أحد هؤلاء الذين يرجعون أمر النجاح لإرادة الإنسان بالكلية، مغفلاً دور الظروف في تهيئة الأبطال، أضرب الأمثلة بإديسون الذي سخر منه الجميع لكنه انتصر، والحقيقة أن تربية أمه الواعية كانت هي البطل، وأحفز الناس بقصة الصماء البكماء العمياء “هيلن كيلر” مع أن كلمة السر في القصة هي المعلمة “آن سوليفان” التي تحملت جهد وصبر تعليمها، وأجادل بأن ستيف جوبز، وتشرشل، وأبومسلم الخراساني ومحمد بن أبي عامر قابلوا الصعاب والتحديات لكن إرادتهم كانت أقوى، غير عابئ أن البيئة من جهة، وحركة الريح من جهة أخرى ساعدوا على تحريك السفينة وإبحارها.

وأجهل أن بيننا آلاف إديسون قتلت مواهبهم التربية المتطرفة، وآلاف هيلن كيلر قضت عليهم الظروف، وآلاف ستيف جوبز أردتهم رصاصات الواقع..

ما الذي أود قوله؟!

أنا ممن يمقتون الفشل واليأس وانعدام المقاومة، وهذا مما لا بأس فيه، لكننا بحاجة إلى أن نفهم جيداً أن قدرة الناس على التحمل متفاوتة، وعدم تحقيقهم للنتائج لا يعني في كل الأحوال أنهم فشلة سيئين، نعم من واجبنا أن نحفزهم، ونحرك هممهم، لكن علينا قبل ذلك أن نرفق بهم، ونتفهم ما هم فيه، ولا نكون عوناً للأيام عليهم، ولا نزيد الثقل الذي وضعته الحياة على كواهلهم.

إن المصلحين، والملهمين، وأصحاب الرسالات في كل زمان ومكان، كانوا قادرين على تحريك الهمم من خلال تفهمهم للطبيعة البشرية، وتقدير عامل الضعف الإنساني، كانوا يتفهمون الناس أولاً قبل أن يفهموهم، كان الرجل يأتي للنبي وقد أتى بالذنب فيحزن عليه قبل أن يحزن منه، كان يرى الظروف التي أدت به إلى الخطيئة دون أن يغير هذا من كونها خطيئة تستوجب الاستغفار أو حتى العقاب، حتى أنه في مرة غمز أصحاب النبي محمد أحدهم وقد أتى به مراراً وقد شرب الخمر فنهرهم مذكراً أن لعل هذا الذي تزدرونه يحب الله ورسوله، ولا يعد هذا بأي حال من الأحوال تبريراً للخطأ وموافقة عليه، لكنه يوجه النظر إلى أن الناس تحب أن تكون عند حسن الظن بهم، فدعونا نحسن ظننا بالآخرين حتى في حالات الضعف، لعل هذا يكون حافزاً لهم كي يتغلبوا على ما بهم فيه خلل، ويتحدون بنا ظروفهم الصعبة وعثراتهم المتكررة.

وأراني مضطر للإجابة على سؤال من معترض أني بهذا أفتح الباب للناس كي يستسلموا للواقع، ويغمدوا سيف التحدي والمقاومة!

لا يا صديق، لا زلت عند رأيي بأن المرء منا يجب أن يقاوم، وعليه ألا يصنع من الظروف شماعة يعلق عليها فشله وتراجعه، لكنني أهيب بنفسي وبكل من يتصدر الحديث للناس أن يخفف من خطاب اللوم، ويجعل حماسته أكثر واقعية، ويعلم الناس كيف يوسعون خياراتهم، وأن عليهم كثيراً أن يتعاملوا وفق المتاح لا وفق ما يأملون علينا ـ إن كنا صادقين حقاً ـ ألا نجعل من تجاربنا الشخصية إن كان التوفيق ملازم لنا هو المعيار الذي نحكم به على الناس ونحاكمهم عليه وأذكر نفسي وإياك أن الله سبحانه وتعالى عندما أراد أن يواسي نبيه حينما ناله الأذى من أعدائه قال “قد نعلم إنه ليحزنك الذي يقولون” ذلك أن العظماء لا يغضبون، لا يستاؤون، لا يتكبرون حينما تواجه دعواهم بالتكذيب أو السخرية، وإنما يواجهون هذا بالحزن النبيل، الحزن على بعد الناس عن الحقيقة، الألم على ما أصابهم من وهن، حتى وإن ناله جهلهم وآذاه!

وعندما نحزن عليهم سيفهون أننا نشعر بهم، سيتأكدون من أن كلماتنا مجردة من المصلحة، سيفهون أننا نريد لهم الخير أما التكبر، والاستهزاء من أوضاعهم، ومقارنتهم الدائمة بمن لازمة التوفيق لزمن، فهذا مما يؤثر سلباً عليهم ويؤذيهم فكفانا خداعاً للناس وإيذاء لهم!

Loading

شارك على
أكتب تعليقك هنا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.