آخر الأخبار
The news is by your side.

قـراءة .. نَهرُ وثلاث ضِفافْ .. أماني محمد صالح

 قراءة نقدية لرواية.. أماني محمد صالح 
نَهرُ وثلاث ضِفافْ، رواية
الكاتب، المعز عبد المتعال سر الختم.

كتب المعز عن الشيخ الدجّال :
“يومًاً باغتته أمي، رمت عليه سنّارة السؤال، قالت له بوقاحة:
– نحن لا نرغب بالجنين، لماذا لا تتبناه أنت ونرتاح.
تملّمل الشيخ (هاشم)، وقال:
– التبني حرام في الشرع.
كما أرنب إصطادته من أذنيه، قالت له:
– ونحن نبحث عن الحلال”
ثم عرّج الكاتب لدار المايقوما:

“بدأت أتعرّف عليهم، سِحناتهم المُختلفة تدُلّ على انتشار المآسي، واتساع البؤس، وجوههم البريئة عليها حزن يشبه فجيعة الموت، هجين الحرمان ممزوجًا باليُتم، معطونًا بشظف الجوع والحَيرْة، عيونهم تائهة في انتظار لحظة نجاة.
سألتُ (رجاء) بحزن:

– كيف تخون الأمومة غريزتها؟!
– أسوأ مأسأة نراها الآن، مُعظم الأطفال وُجدوا على قارعة الطريق، مُلتفّين بلفافات الألم بلا رحمة أو ضمير، ( ندى) وجدناها أمام الدار يوم ولادتها، (نسرين) وجدها أحد العمّال أمام أحد المساجد، (عامر) عُثر عليه بين أكوام القمامة..

ثم عرّج الكاتب في المزيد من وصف أطفال المايقوما قائلاً على لسان البطلة حنان:
“نمت بصعوبة، صحوت على صياح الأطفال يهتفون ضدّ الجوع، عراكهم اليومي، جلبْة المسغبة، يمشون على إيقاع الإملاق، يتكدّسون حولي، ينتظرون مؤونة الطعام والحليب، ليت لي عشرون ثدي، ليت ما بصدري يكفيهم جميعًا، ليتني نهر حليب، أتدفقّ في أفواههم المحروّمة مدى الحياة.”

الشخصيات.

(حنان )، ( رقية)، (عماد)، (إحسان)، (الشيخ هاشم). ،(صابر)، ( كمال)، ( عباس،( رجاء)، (هديل)، (عصام)( منير)، (صالح).

رواية إجتماعية، يعري فيها الكاتب كل المشاكل الإجتماعية، المُعقّدة التي حدثت في فترة نظام حكم البشير الدموي، عكست الرواية النفاق الإجتماعي، والرعب من العادات والتقاليد، والفقر الكرامة الإنسانية، ومدى المحافظة عليها رغم الضغوط، عكست متلازمة الخبيبات الإجتماعية المتوارثة من الأم(رُقّية، إلى الإبنة حنان، إلى الحفيدة أريج).

ناقشت هذه الرواية الصراع بين استغلال الدين وبين العادات والتقاليد، بين الفقر والغنى، وبين الكرامة والحوجة، كما ناقشت قضايا نسب الأطفال، وازدياد حالات الأطفال مجهولي النسب ونهايتهم بدار المايقوما.

نمت فكرة هذه الرواية في عرض قضايا حساسة في المجتمع بصورة قاسية، عرضها الكاتب بصورة مدهشة ومتماسكة.

هذه الرواية تمتاز بتماسك اللغة وترابط الجمل والعبارات، إستخدم فيها الكاتب اسلوب السرد الحواري، وهو يطرح الكثير من التساؤلات وعلامات الاستفهام التي تدور في الأذهان في كثير من القضايا الإجتماعية المُعقّدة والاهتمام بالعادات والتقاليد وعلاقتها بالدين والشرع.

تحكي الرواية قصة،(حنان )، وربما إسمها دلالة على فقدان الحنان والبحث عنه حتي في أصعب ظروفها، حنان صحفية الفقيرة التي تعيش مع والدتها تعمل في جريدة وتحلم هي وصديقتها بفارس الأحلام تعيش معها رومانسيتها حتى ظهور إبن خالتها المغترب وينسف كل هذه الأحلام فتخسر حلمها بفارسها، وترضخ لرغبة أمها وتوافق على ابن خالتها (عماد)، فهو المغترب الذي يرمي النقود على طاولتها بكل بذخ وإستفزاز، والدتها التي تجيد المساومة على ثمنها بطريقة مستفزة مهينة جعلتها تكره وتحتقر نفسها أمام (عماد) الذي يعتبر الزواج شر لابد منه فهي الاولى بهذا الشر دون مراعاة لأحاسيسها ومشاعرها.

تمّ عقد قرانها على أن يكون الزواج بعد شهر، حتى يكمل إجراءات إقامتها معها في قطر، ولكن العريس لم ينتظر، فقد أخذ حقوقه الشرعية عنوة وإغتصابًا قبل موعد الزفاف سالبة كرامتها وأنونثها  تلك اللحظة التي تنتظرها كل أنثى بأحلامها الوردية، دمّر كل شئ في لحظة حيوانية فتحس( حنان) أنّها مجرّد عاهرة رغم الرباط الشرعي بينهم فتكرهه لأنه لم يحفظ لها كرامتها في الممارسة وعاملها كأنها مجرد وعاء يفرغ فيه شهواته متى مايشاء.

زادت بغضها له عندما تكتشف خيانته لها يوم زفافها، فقرّرت الإنتصار لكرامتها فكانت فرصتها في مراسم الجرتق وعادة رش اللبن، انتهزتها فرصة للثأر لكرامتها، فتبصق على وجه متعمّدة فيصفعها في وجهها فتثور لكرامتها فتطلب الطلاق حاملة بذلك لقب عروس ومطلّقة في نفس اللحظة، طُلقت لأنّها ثارت لكرامتها مع زوجها وابن خالتها ولكنها فقدته مع من لم تربطها بهم صلة فكان التشرد والجنس مقابل الماوى، والإهانة ومعاملتها كأنّها عاهرة حين اُغتصبت للمرّة الثانية من شيخ، خدعها بنسب طفلها إليه من ابن خالتها بعد أن نكرها ابن خالتها خوفًا من المجتمع والعادات والتقاليد لتنسب طفلة لغير والدها،! فكان منه الاستغلال والإغتصاب مع وعدًا مُغلّف بالزواج.

وبعدما  اشبع رغباته منها يلفظها مستنكرًا الزواج من عاهرة، عاهرة في نظره لأنّها حبلى من زوجها، فعكس بذلك تفكير معاق في مجتمع يتسم بالنفاق الإجتماعي، تحت ظل استغلال الدين والعادات والتقاليد.

عنصر الدهشة والتشويق في هذه الرواية في شخصية بطلة الرواية أنّها صحفية (سلطة رابعة)، يعني قوية تستطيع انتزاع حقوقها لكن الكاتب صوّرها مهزومة ضعيفة أمام الظروف القاهرة والفقر، سُلبت كرامتها واُغتصبت وتشرّدت وتسوّلت وظُلمت، إشارة من الكاتب أنّ الإنسان ضعيف أمام الفقر والحوجة والعوز (كما قال علي بن أبي طالب، كرّم الله وجهه، لوكان الفقر رجلاً لقتلته).

وسط هذه المتاهة والتشرّد يخفق قلبها ( لصابر)، مستخدمة كل الحيل لتصل إليه ولكن كأن الأقدار تريد لقلبها الانكسار فصدمت فيه عندما أخبرها بأنه شاذ، وأن (كمال) زوج أمها يغتصبه منذ أن كان طفلاً فكان سببًا في شذوذه، (وهنا يبدر سؤال هل الشذوذ سلوك طبيعي ناتج عن موروث جيني تطوّر عبر السنين؟ أم هو سلوك مكتسب وخلل نفسي مرتبط بعدّة عوامل إجتماعية بيئية)؟!

فقد اثبتت بعض الدراسات التي أجريت على عدد من القرود أن السلوك الجنسي يُكتسب على الأقل جزئياً من خلال التنشئة ويتأثر بشكل قوي بالتربية من الصغر وليس شيئًا فطريًا ثابتًا منذ الولادة.

صدمها صابر بكلمة أنا (شاذ)، صابر الذي كان سببًا في تشرّدها وسبب الأذى لإبنتها مرتين، المرّة الأولى عندما خرجت منتصف الليل باحثة عنها فتسقط ابنتها من السرير ويطردها الشيخ من بيته فتنام في العراء مع أمها وابنتها على شاطئ النهر مورثة ابنتها متلازمة الخبيات، وفي المرة الثانية عندما يغتصبها (عصام) الشاب المُقعد الذي ساعدته في شراء كرسي متحرك وأول ما فعله عندما ارتقى من الأرض اغتصب ابنتها الصغيرة ذات الأشهر الستة مقابل لإحسانها له بالاساءة.

أم مُغتصبة تحمل طفلة مُغتصبة في مواجهة مصير مجهول ومؤلم، هربت مع ابنتها الى الشارع متسوّلة تتسوّل لقمة عيش لها ولإبنتها إلى أن عثر عليها (عباس ) الذي يُمثل الضمير الحي في هذه الرواية الإنسانية، وشلال الخير الذي ينهمر بلا مقابل، غير مساعدة الإنسان لأخيه الإنسان فيقترح عليها أن تذهب( باريج ) إلى دار المايقوما فتذهب وتقيم مع ابنتها وتعمل بالدار وسط نظرات الاحتقار من بعض العاملين إلى أن يعثر (عباس ) على والدتها في حيهم القديم في الكلاكلة زوجة (لصالح) جارهم رغم كرهها له.

تزوّجت عندما أغلقت في وجهها كل الأبواب بعد اكتشفت خيانة زوجها (كمال )، وتحرّشه بابنتها، تزوّجها (صالح ) وأعاد اليها كرامتها المهدورة وعاشت عيشة رغدة فقد كان ميسور الحال وأختها (احسان) (وعماد) ابنها يفصلهم سوار بعد تبدّل بهم الحال بعد أن فقد (عماد )كل أموالهم، عن طريق أنثى ماكرة سلبت منهم كل أمواله، فتبدّل الحال، تعيش رُقيّة في الرفاهية واختها في الفقر (تلك الأيام نداولها بين الناس)، صدق الله العظيم.

تقابل حنان والدتها وتعيش معها حياة تخبرها أنها حامل من (صالح) فتتمنى أن تنجب والدتها مولودًا ذكر يكون لها الأمان والسند فلو كان لها أخًا لما حدث لها كل ما حدث ولا إستباح جسدها ابن خالتها أولاً والشيخ الدجّال ثانيًا رغم فارق العمر بينهما، إلا أنّها أحست بعد قدومه بالأمان والسند، واستردت أنوثتها التي ضاعت مع التشرّد والتسوّل.

وخفق قلبها لحب عباس، عملت معه في المكتب تمنيت لو يحبها وحاولت معه بكل طرق وحيل الأنثى لكن (عباس) لم يكن يريد منها مقابل حتى الحب لم يكن يريده منها، فقط كانت خدمته لها لوجه الله فكان الرجل الوحيد الذي تمنّت أن ينظر إليها، تمنّت منه نظرة حب، فعاملها بكل أخوّة وإحترام واقنعها بالرجوع لطليقها الذي رفض(أريج ) وهي في أحشائها، اليوم يطالبها بالنسب والحضانة بعد رفضها لها، لأنه حملت قبل إتمام مراسم الزواج، لو اعترف بها من البداية لما دخلت في هذه المتاهة.

في ظل هذه الصراعات تتكشف أنها لم تستخرج شهادة ميلاد لابنتها وأنّها بلا هويّة ونسب، في ظل هذه الحيرة يظهر الشيخ الدجال ويقول إنه سجّل (أريج) بإسمه ويدخل في صراع معها إلى أن يقتله عماد بضربة قاضية وكأنه يقضي بذلك على كل آهات وعقد المجتمع.

كانت دهشة القاريء توقعه إنتصار الأنثى القويّة لكن كانت المفاجأة الانهزام والانكسار، فكان عرضًا شفافًا بكل واقعية لمشاكلنا مع المجتمع، فمهما كانت مكانة المرأة، فهي مهزومة في مواجهه الفقر والعادات والتقاليد خاصة إذا كانت دون أخ يكون سندًا لها في الحياة، فكانت النهاية الواقعية التي صدمت القارئ دون النهايات الحالمة، لكنّها كانت التعريّة لكل واقعنا بدون تزييف أو تغليف.

Loading

شارك على
أكتب تعليقك هنا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.