آخر الأخبار
The news is by your side.

قصة قصيرة … جدي المبارك

قصة قصيرة … جدي المبارك

بقلم: د. سيد شعبان

ورثت عنه أشياء كثيرة؛ لقبي الذي لازمني، بعض نزقه فما تزال نوادره تروى إلى الآن، الناس هنا لديها الهوس بترهات الأجداد، سحنة وجهي السمراء، جينات مصبوغة بشيطنة غير مبررة؛ يقولون إن جدي كان به مس الجن، يعبر النيل في خطوة واحدة؛ يصعد مأذنة المسجد القبلي في طرفة عين؛ في الحقيقة كان صاحب سر عجيب، يتندرون بأفعاله؛ يركب الثور ويسابق الخيل، لن أسرد خفيها؛ فقد استحلفني قبل رحيله ألا أبوح بهذه الغرائب قبل أن يظهر في السماء النجم ذو الذنب، خايلته الجنية الحمراء؛ أعطته قطة بيضاء؛ احتفت به، ولأن السر يطوى بين المحبين؛ وهبته حذاء عجيبا؛ حين يضع فيه قدميه؛ تسهل له الصعاب.

قلدت أفعاله؛ الولد بعض جده، انجذبت إلي آنسات الحي، حين يشاهدنني يخطرن في دلال، تصيبني رعشة أعجز عن مغالبتها، لكن عيبا واحدا ظل يحجز بيني وبين أجمل البنات؛ أنني قصير القامة، اجتمع علي القصر والسواد؛ من أغرب الأوصاف التي لحقت بي “عفريت الحيط” لا أخفى عليكم كان ذاك معبرا؛ بالفعل، من رآني يعتقد أنني من الجن؛ أذنان أشبه بأذني تيس بري؛ لكن هذا لم يمنعني من الامتلاء بالحياة، أغوص في النهر؛ شعر صدري كأنه جدائل امرأة من الغجر، هذا عجيب.

اقتربت مني تلك الجنية التي حامت زمنا حول جدي؛ لم يعرف بغير ذلك اللقب.نحن نعرف بين الناس بآل المبارك، ليس لنا بيت؛ نمتلك خزانة من خشب الصفصاف بيضاء لكنها خفيفة؛ بها كتاب كبير؛ دون فيه جدي أحواله؛ كل حكاياته التي سردها، مشاغباته؛ هدومه التي بليت؛ عصاه التي ضرب بها رأس الجنية الحمراء؛ يبدو أننا مصابون بجريرة لم نفعلها؛ كل بلائنا- أنا وأبناء عمومتي- نسبنا إليه؛ نحمل لقبه، نتشارك في سحنة وجهه.أننا نحفظ للقادمين من بعدنا سر البقاء؛ أﻻ نذوب كما الثلج، ألا يقام هنا سوق نخاسة،

يتندرون علينا؛ حين يصيبهم الملل نكون الحواة، مضطرون ﻷن نحمل كالحمير الصغار.

لم تلد أمهاتنا فتيات؛ مهددون بالانقراض، يموت الأجداد ولا أحد غيري يحمل عناء البقاء، هل أسر إليكم بما أفضى به إلي في ساعة الاحتضار؟

تزوج الجنية الحمراء؛ أمهرها ضفة النهر اليمنى، بالتأكيد كانت مخادعة فالضفتان لا تعرف منهما من تكون، وثيقة زواجهما مطوية في خزانة الصفصاف الخشبية، مفتاحها بيد جدتي الجنية، جاءت بنا تباعا، أعمارنا طويلة يقولون: من عهد عاد وأقرب إلى عمر نوح؛ ذاكرتي لا تتسع لما مضى، تبقى الأحداث شاخصة رغم تقادمها، توزعنا في البلاد مع النهر، لا وجود لنا بغيره.

وﻷنني حفيده الذي يشبهه؛ تكتمت الخبر، أدخلت نسله في دوامة لا خروج منها؛ حكيت عن سيرة جد مبارك؛ لم يكن بمثل هذا الطهر، له حفدة من غير وثيقة؛ شعب هجين من بلاد النوبة والروم؛ نساؤه شهيات كما السكر، تنازعنا النهر، معنا الوثيقة ولهم قوة الجسد؛ بياض الوجه وامتلاء الفتيات بالخصوبة، جاءت الجدة الحمراء؛ في حنو مسختنا حجارة بيضاء أقامت بنا السد، ليهلك من كانت أمهاتهم شتى؛ مات الزرع، وبقينا شواخص للزمن!

Loading

شارك على
أكتب تعليقك هنا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.