آخر الأخبار
The news is by your side.

فى وداع الكابلي البريّع .. الأناشيد القديمة

فى وداع الكابلي البريّع .. الأناشيد القديمة

بقلم:  عمر الفاروق سيد أحمد

 
أسّعدتني الظروف يوماً ، فى النصف الثاني من التسعينات ، أن أصطحب الأستاذ الكبير المرحوم تاج السّر الحسن ، فى سيارتي المتواضعة ، حيث كان يعمل حينئذ أستاذاً للأدب بجامعة أم درمان الأهلية ، بينما كنت أعمل ـ لفترة قصيرة جداً ـ بالشؤون العلمية بالنفس الجامعة ، وأذكرّ أن حرّ نهار ذلك اليوم كان قائظاّ يُفوّر مخّ الضبّ كما يقولون ، وبعد أول كوب ليمون من طرف الجامعة ، إنتهزتّ الفرصة وسألته عن قصة أنشودة آسيا وأفريقيا تلك التي ملئت الدّنيا وشغلتّ الناس .

تهللت أسارير الأستاذ الكبير ، وطفق يحكي لى بإرتياح ، أنه كان فى إجازة قصيرة زار فيها الوالد والوالدة بمدينة النهود منتصف العام 1956 ، حيث كان يدرس فى السنين الأولي بكلية اللغة العربية بالأزهر ، وصادف ذلك الذكري الأولي لمؤتمر الشعوب الأفريقية والأسيوية Afro-Asian Conference الذي أصطلح علي تسميته بمؤتمر باندونغ  – عقد فى 24 أبريل 1955 بأندونسيا  ـ ، وقال لى أنه كان مستلقيا تحت ظل شجرة نيم وارفة فى دارهم ، وكان تحته كوّرية / سلطانية ليمون ، من صنع الوالدة ، يقبع فى قاعها سكر كثيف مائل للحٌمّرة ، وبجانبه ورقة وقلم رصاص ، وقال لي بأنه أصبح يكّرع من تلك السلطانية ويكتب فى الورقة ، ومن ثّمَ راح فى غفوة ، ولمّا صحي من غفوته تلك ، وجدّ أنه كتب كامل القصيدة ، فقرأها بصوت متهدّج ، وأستحسنها .

بدوّره حكي الأستاذ الكابلي ، أن كل من الاستاذ أبوعاقلة يوسف والأستاذ على شمو والاستاذ أدريس البنا قد زاروه فى منزله ، وكان ثلاثتهم من كبار موظفي وزارة الإعلام حينذ ، وسبب الزيارة أنهم سمِعوا أن الكابلي قام بتحلين تلك القصيدة التى تتناول حركة التحرر الوطني ، وبعد أن إستمعوا الى اللحن و طربوا له ، قالوا للكابلي ماذا ستفعل بها ، فقال لهم هناك صوت طيّب يمكن أن يؤدي هذا العمل أمام عبد الناصر ، والذي تقررت زيارته الى الخرطوم فى نوفمبر 1960 ، فقالوا له بل ستؤديها أنت شخصياً . الكابلي قال أنه تمنّع فى البدء ، غير أنه رضخ لرغبتهم فى نهاية الأمر ، لأن الغناء أمام عبد الناصر وجدّ هويً كبيراً فى نفسه . وبالفعل كان ما كان وأنطلق يغني أمام ناصر ، عندما أعزف يا قلبي الأناشيد القديمة ، وكانت تلك بداية الإنطلاقة الفنية الجماهيرية لفقيدنا الكبير .

تقديري أن الأناشيد القديمة للأستاذ الكابلي ، وأعّني هنا كل من أوبريت مروي و أنشودة ليلة المولد وأنشودة آسيا وأفريقيا و فتاة اليوم والغد ، تُعدّ الأساس الذي أنبنت عليه قوة العارضة اللحنية وأسلوب الأداء lyrical performance style  للأستاذ الكابلي ، كونها جميعها من ألحانه ، فالشاهد أنه وصل ذُري عالية من الإستلهام اللحني و التنغيم الصوتي من خلال هذه الأناشيد ، حتي أن الاستاذ تاج السر الحسن أبدي دهشته وإعجابه الشديد باللحن الذي وضعه الكابلي لأنشودة آسيا وافريقيا ، وكان مصدر دهشته أنه ما كان يظن أن قصيدته تلك كانت صالحة للغناء من أساسه.
 

الامر نفسه كذلك فى عدد من القصائد التي لم تكتب كقصائد غنائية ، وقام الأستاذ الكابلي بتلحينها بشكل رائع ، من أبرزها قصيدة معزوفة الى درويش متجول للفيتوري ، وقصيدة كسلا لتوفيق صالح جبريل ، وشذي زهرٌ للعقاد ، وعهد جيرون لمحمد سعيد العباسي ، والجندول لعلي محمود طه المهندس . و دونك كذلك القصائد التي كتبت فى العهد الأموي والعباسي من مثل أمّطرت لؤلؤاً ليزيد بن معاوية ، وأراك عصي الدمع لأبي فراس الحمداني ، ومالنا كلنا جو يا رسول لأبي الطيب المتنبي .

صحيح أن هناك عدد من الفنانيين / المغنّيين العِظام قاموا بتحلين قصائد وتغنّوا بها ، خذّ مثلاً لذلك كل من عثمان حسين ومحمد وردي وإبراهيم الكاشف و حسن عطية ، إلا أن الأستاذ الكابلي بزّ هؤلاء المبدعين جميعهم بأن جمع بين كتابة القصائد و تلحينها لكيما يؤديها بنفسه أو غيره من الفنانين . فمن كلمات وألحان الأستاذ الكابلي ، ليس فى الأمر عجب ، المرايا ، لماذا ، فتاة اليوم والغد ، يا قمر دورين ، يا زاهية .
و نواصل ،،،
 
 

Loading

شارك على
أكتب تعليقك هنا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.