آخر الأخبار
The news is by your side.

شباب تـوك بقلم: عبدالحليم عباس

تعليقا على فيديو الأخ هشام شمس حول برنامج “شباب توك”

أولاً : بخصوص انتقاده لأسلوب البرنامج و لمقدم البرنامج، فأنا أتفق معه تقريبا. أعتقد أن مقدم البرنامج سمج كما وصفه أحد الاصدقاء و يتعامل بنوع من الأُستاذية.
و أعتقد عموما أن طرح القضية من قبل هذه القناة و هذا المذيع بالذات يثير ردة فعل لا تخدم قضية المرأة. مثلا عندما يُعرف بأن مقدم هذا البرنامج يدافع عن المثلية الجنسية في برامجه أو هو نفسه مثلي جنسيا كما يُشاع، فإن هذا يعطي التيارات الدينية السلفية مبررات قوية لهزيمة الفكرة التي يدعو لها البرنامج : حقوق المرأة.

ثانيا : أتفق عموما مع فكرة أن الإصلاح و التجديد الديني يُمكن أن يقدم أطروحات في تحرير المرأة تكون مقبولة اجتماعيا و أكثر نجاحا من أطروحات أُخرى مستوردة جاهزة. و لكني اختلف مع اتجاه هشام شمس في قراءته للدين عموما و في مفهومه للتجديد و الإصلاح الديني و تلك قضية أخرى.
أتفق أيضا مع عموم كلامه عن قيم المجتمع السوداني و تقاليده السمحة التي نفختر بها جميعا كسودانيين.

ثالثا : أفهم كلام هشام كإسلامي ضمن الحدود التي أوضحتها في البوست السابق مباشرة، أي ضمن حدود الدين كسلطة اجتماعية غير اكراهية ، لا كسلطة سياسية تسنتد الى مشروعية و إكراه مؤسسات الدولة. و أعني بذلك أنني أفهم كلام هشام مثلما أفهم كلام مزمل فقيري أو عبدالحي يوسف، كلام رجل دين لا رجل دولة و سياسة. من حقه بالطبع أن يقول ما يشاء ضمن هذه الحدود، مثل غيره.

رابعاً : من الواضح و الصريح أهداف هشام أحمد السياسوية.على الرغم من الطبيعة الوعظية لكلامه إلا أنه يدير من جهة معركة مع من يعتبرهم خصوما سياسيين من العلمانيين و لكنه لا يستهدف الحوار معهم و إنما يريد إرسال رسالة للناس العاديين الذين
كما قال قد تلقفوا بعض الادعاءات التي يرددها خصوم هشام شمس من العلمانيين و غيرهم بخصوص المرأة و التحرش.

طبعا هذه سمة مشتركة بين خطابات الاسلاميين عموما، تجمع مزمل فقيري و هشام شمس على صعيد واحد، كلهم يستهدفون الناس العاديين و لأكون أكثر وضوحا فأقول المسلمين البسطاء، ليقولوا لهم “هكذا تكلم الله” و عليكم أن تطيعوا و تمسعوا بما أنكم مسلمين.
في الواقع “هكذا تكلم الله” ليست بهذه البساطة، فهُناك سياق تاريخي، و هُناك نظرية و فلسفة للدين، هُناك لاهوت و قضية كبيرة جدا حول مفهوم كلام الله و الرسالة و النبوة ، و هناك قراءات و تفاسير للنصوص الدينية ، مدارس مختلفة في قراءة الدين. طبعا كل هذه التفاصيل ليست مهمة بالنسبة للخطاب الأصولي و السلفي، المجتمع مهيأ لمساع و تقبَُل الخطاب الديني وفقا للنظرية السائدة. ما عليك إلا أن تقول هذا كلام الله و تحسم النقاش.

خامسا : مغالطات و تلفيق هشام شمس
– من المؤسف أن هشام تورط في التبرير للتحرش بكلامه عن اللبس كأحد أسباب التحرش، و هي رؤية يشاركه فيها الكثيرين ، و تصور البشر كأنهم مثل البهائم يتحرشون بأيما إمرأة غير محجبة. قد أفهم هذا الكلام من ناحية وصفية كأن نقول بأن الذي يحدث في الواقع هو أن هناك ناس يتحرشون بالمرأة عندما لا تكون محجبة، هذه هي الحقيقة البشعة لواقعنا، و من الأفضل طالما أن هذا هو الحال أن تتحجب المرأة منعا للتحرش. هذا كلام مقبول ، لا كتبرير و إنما كمعالجة فورية في بيئة مريضة بالجهل و التخلف. و وجود هذا الواقع يدل بلاشك على انحطاط قيمي و أخلاقي في مجتمعنا يجب علينا مواجهة هذه الحقيقة، هُناك الكثير مما هو منحط بل و حتى مقرف في أخلاقنا و في قيمنا ، عندما يتم النظر الى التحرش كنتيجة للاستثارة الجنسية كنوع من الفحولة “و الكهربا الزائدة” فهذا انحطاط أخلاقي، و أمر في غاية التفاهة. و عندما نتصالح مع هؤلاء الناس كما هو حاصل الآن، فهذا يدل على خلل كبير في نظامنا القيمي الأخلاقي.

طبعا من غير المسلم به أن التحرش يحدث فقط بسبب عدم الحجاب، و هشام لم يستند الى أي دراسة أو اي احصاءات. و يُمكنني القول مع كثيرين إن التحرش يحدث للمحجبة و الغير محجبة على السواء، يحدث للمرأة أو الفتاة العادية التي ترتدي الزي الشائع و سط الفتيات و للفتاة أو المرأة المحجبة. هذا من شهادات النساء التي سمعتها، و هي ليست احصائية بالطبع و لكنني سمعتها كثيرا و لم اسمع الادعاء المقابل بأن الفتاة التي تلبس زيا معينا لا يتم التحرش بها. لنفترض أن هناك فتاة تريد أن تلبس لبس غير محتشم هل هذا يبرر التحرش ؟ لنفترض أن القرآن قال على النساء أن يتحجبن حتى لا يؤذين و هناك نساء غير محجبات ، هل هذا يبرر أن يتم التحرش بهن ؟

أنا شخصيا من أنصار الزي المحتشم مثل أي سوداني قروي عادي، و لكنني لا أعتبر أن الزي غير المحتشم يبرر التحرش، و اذا تحرش أحدهم بإمرأة غير محتشمة من وجهة نظري، و لكنها محتشمة من وجهة أخرى مثلا، فإن هذا لا يصنع فرقا في إدانة التحرش.

– من المغالطات العجيبة لهشام كلامه عن ” كيف يُمكن وقف التحرش بالقانون”، فهو يرى أن “الإسلام هو الحل” يجب التعويل على الأخلاق الدينية. و هذا كلام في منتهى البؤس و السذاجة . فنحن نعيش فعلا في مجتمع اسلامي يحكمه الدين و الأعراف و يحكمه نظام إسلامي ، تُدرس فيه مناهج إسلامية في المدارس و في الجامعات، هناك خطاب ديني في الإعلام، و هُناك مساجد و خُطب و شيوخ و وعاظ الى آخره، و مع ذلك يُوجد تحرش. ما الذي يُمكن فعله أكثر من ذلك ؟ هؤلاء المتحرشين أغلبهم من الناس الذين يتعرضون لهذا الضخ الهائل من الخطاب الديني و الوعظي.

لقد كتبت أكثر من مرة عن المرجعية الصلبة في مقابل المرجعية الهشة. الدولة و القانون مرجعيات صلبة يُمكن التعويل عليها في الكثير مما يفشل فيه الدين و الأخلاق، فمن لم تردعه التربية و الدين يردعه القانون، هذا بديهي.
و لكن هشام يقول بسذاجة مضحكة بأن العلمانية لا تملك ما تقوله للناس لكي يمتنعوا عن التحرش بينما الدين يخوفهم بالنار، هذا صحيح طبعا ، و لكن السؤال هو لماذا لم يمنع الدين المتحرشين و الفاسدين و اللصوص و المجرمين الموجودين في كل مجالات الحياة في السودان من أعلى السلطة السياسية مرورا بالمسئولين الفاسدين أخلاقيا و بعض أئمة المساجد الذين يغتصبون الأطفال و ليس انتهاءا بالمغتصبين و المتحرشين و الناس العاديين الذين يكذبون و يحتالون في الأسواق و يرتكبون شتى صنوف المعاصي الدينية و الاجرام ؟ لماذا لم يردع الدين كل هؤلاء.

– بالنسبة للتحرش و دور القانون في منعه، هُناك دولة مثل الإمارات العربية المتحدة ، من نفس الثقافة و نفس التاريخ ، مثلنا تماما ، في دبي مثلاً حيث يُمكن للمرأة من جنسيات مختلفة أن تلبس ما تشاء و أن تعمل ما تشاء، لماذا لا يوجد تحرش ؟ ببساطة لأن هُناك قانون. إذا ذهب هناك أي شخص من السودان حتى لو كان من المتحرشين سيحترم نفسه،ببساطة لأن هناك قانون صارم و واضح ضد التحرش. فالكلام عن أن القانون لا يمنع و لا يردع التحرش و السخرية من ذلك هو كلام ساذج مجافٍ للواقع و للمنطق.

فمن التجربة الواقعية القوانين أفضل بكثير من الدين و من الأخلاق في محاربة التحرش و أشكال مختلفة من الفساد و غياب الضمير. فالكلام عن أن الدين هو الحل و أن القانون لا يُمكن التعويل عليه هو كلام لا يصدقه حتى الاطفال.
و لذلك يجب سن قوانين رادعة ضد التحرش.

Loading

شارك على
أكتب تعليقك هنا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.