سفينة بَوْح … بقلم: هيثم الفضل
فقر الدولة أو فقر الرعية .. !!
ولأن ما بُني على باطل فهو باطل ، عادت أزمة الخبز والجازولين إلى سيرتها التي شهدناها قبل شهر من الآن ، ولأن القصة ليست ذات علاقة بتغيير أشخاص على سدُة المسئولية فقط بقدر ما هي قصة النظام الذي تُدار به الأزمات ، وهي أيضاً قصة القناعة والإيمان العميق لحكومة المؤتمر الوطني بأن كل ما يصب في مجال حاجات الناس الحيوية هو أولوية لا تقبل التأخير ولا التحوير ، قلنا ذلك إبان إستلام حكومة معتز موسى التي أكثر التطبيل لها بعض المغرضين والمنتفعين من بقاء حال البلاد على ما هو عليه وكذلك بعض (الحالمين) والتائهين في عالم اللا واقعية في تحليل الأحداث والمؤشرات ، فالحكومة الحديثة العهد بما يحدث في أضابير الصراع الإقتصادي في شتى القطاعات وما يتناوشها من تفاصيل متعلِّقة بوقوع الدوائر المحركة لفعالياتها في مستنقع ما يُسمى (ظِل الدولة) ، بعد أن غابت المؤسسية التي كانت ضماناً لا يقبل الشك في النزاهة والإحترافية والتقييم المتناسق للأمور مع ما يتوافق والمصلحة العامة ، وقد إستسلمت وتوارت مؤسسية الدولة خلف عقليات بعض المسئولين الذين ينطلقون بلاوعي وعبر فقه التمكين السياسي تجاه كل ما لا يمُت للمصلحة العامة بصلة وينحازون دوماً لما يخدم مصلحة التنظيم السياسي وأجندته السياسية والأمنية والمنهجية وأحياناً تنضاف إلى كل هذا المصالح الشخصية ، الوهم كل الوهم أن يعتقد مُخططي ومُنظري معالجة الأزمات الإقتصادية في هذه البلاد التي أثقل كاهل مواطنها مجرد العيش البسيط والحصول على أبسط الخدمات الضرورية ، أن أمر الإنفراج الإقتصادي الذي يمكن أن يشعر به المواطن العادي يمكن أن يكون دون أن تتخلى الدولة عن (الإتكال) المُطلق في إيراداتها على الضرائب والجمارك والجبايات والرسوم الباهظة ، لأن مَن يدفع ثمن ذلك ليس سوى المواطن المغلوب على أمره ، فالمستوردون والموزعون وصغار التجار يموِّلون الحكومة عبر ما تفرضه عليهم من رسوم ولا يألون جهداً سوى إضافتها للتكلفة الكُلية مُضافاً إليها الأرباح التي أصبحت فاحشة ومبالغ فيها وذلك تحاشياً لما يمكن أن يحدث من خسائر مترتَّبة عن عدم إستقرار سعرالصرف الأجنبي فضلاً عن مآلات الضعف العام للقوة الشرائية ، وهكذا تصنع الدولة الغلاء الفاحش في الأسواق بأيديها ، وتوزِّع الفقر والإذلال والمرض والعجز عن الحصول على الإستشفاء والدواء في أوساط المجتمع وخصوصاً الطبقات الفقيرة والتي أصبحت تضُم الأغلبية العُظمى في بلادنا ، بعد أن هام قلةٌ من الموالين والنفعيين والمستفيدين من هذه الفوضى في عوالم أخرى قوامها الترف والإدخار الدولاري والإحتكار التجاري عبر الحماية والإستثناءات والتوصيات والدعومات وِفق ما تُفضي إليه آلية التمكين السياسي ، على الحكومة الحالية أن تطعن في الفيل وتترك ظلهُ ، وتختار بين (فقر الدولة و فقر الرعية) ، الموضوع يا سعادة رئيس الوزراء أكبر من تغيير سيارات الدستوريين والمسئولين الكبار ، الموضوع يجب أن أن يحمل في طيَّاته ملف الفساد والمهدر والمسروق من المال العام ، والإنتاج وقضاياه في شتى القطاعات ، ثم قبل كل ذلك إعادة بناء الإنسان وحمايته من الفقر والجهل والمرض والظلم وقلة الحيلة .