آخر الأخبار
The news is by your side.

سفينة بَـــوْح – هيثم الفضل

سفينة بَـــوْح – هيثم الفضل
فوبيا الإستعماء الجماعي .. !!
دكتور علي بلدو أخصائي الأمراض النفسية ، أفاد في منتدى الساحة الخضراء الجمعة الماضية بأن أغلب حالات المخالفات المرورية والحوادث ، غالباً ما يكون مردها أسباب متعلِّقة بمشكلات نفسية ، أساسها ضغوطات الحياة اليومية والمشاكل المتناثرة ما بين الأسرة والعمل ، والتي تبدأ على حد قوله بسرحان قائدي المركبات عند الإشارات المرورية (سرحان جماعي) بحيث تكون الإشارة خضراء ولا يلتفت إليها أحد إلا بعد أن تقارب أن تصبح حمراء مرةً أخرى ، ونهاية بكل تلك الحالات (السرحانية) التي تودي بالحوادث المرورية التي قد تكون قاتلة في بعض الأحيان مضافاً إلى كل ذلك الروح العدائية التي عمت أدبيات السلوك العم أثناء الإختناقات المرورية ، وفي إتجاهٍ آخر تفيد الأحداث الطارئة والمستمره التي تمر بالناس عبر ما تلقى من إهتمام مجتمعي يظهر من خلال كثرة تداولها في وسائط النشر الإلكتروني ، أن الكثير من السودانيين يعانون من إعاقات نفسية ذات أبعاد فكرية وتسلطيه أحياناً ، ويتضح ذلك من المداخلات والنقاشات التي ينبري لها غير ذوي الإختصاص وجميعهم يخوضون في ذلك بلا وازع ولا شعور بالرهبة تجاه ما يدلون به من آراء ومعلومات ونصائح قد تكون نتائجها وخيمة إذا ما إتضح أنها خاطئة ، وعلى سبيل المثال ما حدث في أمر تلك الفتاة التي عبَّرت عن رأيها في القيود الدينية والإجتماعية التي تفرضها الدولة بقوة القانون على النساء في السودان ، وإن كانت مبرراته تحجيم ظاهرة التحرُّش وما تبع ذلك الموضوع البسيط في مدلولاته من هوجة إجتماعية جعلتني أشك أن أمر إشعالها كان مُدبراً من أجل إلهاء الناس عن مآسيهم الماثلة أمام أعينهم ولكن عمى البصيرة يمنعهم من رؤيتها ، ومن إشارات المرض النفسي الإجتماعي العام حالة السرحان والتوهان التي ألَّمت بالناس في الشوارع والساحات والطرق وربما داخل البيوت ، حالة من الذهول بائنة في الأعين وسمات الوجوه ، تتعمَّق عبرها في دواخلهم حالة اللامبلاة التي يندهش لها المراقبون ، خصوصاً تجاه ما يعانون من صعوبات يومية متعلِّقة برداءة الخدمات والمرافق العامة والفقر العام الذي حل بجميع الفئات بإستثناء معشر المنتمين للحزب الحاكم ومن سار على دربهم من النفعيين ، أصبح الناس لا يهتمون ولا يأبهون إن صار رغيف الخبز بجنيهين أو خمسة ، أو لو تصاعدت أسعار السلع الضرورية على رأس كل ساعة ، لا يهتمون إن كانت الدولة مُصرة على نفض أيديها من دعم الأستشفاء والدواء والتعليم ، يتعايشون مع الكبت المُذري لحريتهم في التعبير عن مشكلاتهم وقضاياهم وخياراتهم ، بات السودانيين يعيشون حالة من الغياب النفسي عن الواقع المرير ، لأنهم لو عايشوه بتفاصيله الحقيقية ، لتوسَّع في أعماقهم الصدع النفسي وإنتموا إلى فئة المجانين ، الذين أعتقد أن الإنتماء إلى عالمهم هو نوع من الرحمة الربانية بالنسبة إلى قائمة الهموم التي يُطالب بالتفكير فيها رجل الشارع البسيط محدود الحيلة والإمكانيات ، بتنا لا نلتفت إلى مآلات الفقر العام الذي أصاب البلاد والعباد ، وتراءى عدم الإكتراث للظواهر التي تُنبيْ بشرٍ عظيم في أيام مقبلات ، منها التشرد والإنحلال الأخلاقي وإنتشار المخدرات وهشاشة بنية الأمانة والصدق في المعاملات حتى بين الخواص ، أصبحنا لا نلتفت ما إذا كانت حكومتنا صادقة في نواياها تجاه قص رقبة الفساد وتبديد جسده الذي تمطى في شتى أركان الدولة عبر مؤسساتها الرسمية وشبه الرسمية ، وصولاً إلى القطاع الخاص الذي أصبح أيضاً ستاراً لمؤامرات طالما إستهدفت مقدَّرات البلاد وقوت العباد ، وأصبحنا لا نكترث لأن تمنعنا البنوك أموالنا حلالنا ونلوذ في ذلك بالصمت والحيرة والشعور بقلة الحيلة ، ما يحدث من ذهول وإستكانة وسلبية في أوساط المجتمع هو نوع من الرهاب النفسي الجماعي الذي لن تعالجه إلا مواجهة الناس لقضاياهم المصيرية وإيمانهم بأن الحقوق لا تأتي طواعية ولابد لها من مطالب ، وقديماً قال المثل (ما حكَّ جِلدك مثل ظِفرك) .

Loading

شارك على
أكتب تعليقك هنا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.