سفينة بوح … بقلم: هيثم الفضل
هذه الأرضُ تستحق .. !!
أحياناً تبدو بعض الأشياء والأفعال والأقوال بلا قيمة من كثرة تكرارها ، ومن بين تلك الأقوال التي لم أكن ألقي لها بالاً بمنطق التركيز والتمحيص والتدقيق لكثرة ما تردَّدت على مسامعنا في الإذاعات والتلفزيونات والكتب (أن السودان هو أرض العطاء والغنى بما تعُجُ أرضه من ثروات وثمرات لا تحصى ولا تُعد ) ، هذه المقولة لم أعقلها إلا بعد نقاش دار بيني وبين أحد الأصدقاء حول هذا الموضوع ، والذي تم حسمه بما قاله صديقي هذا في الجملة التالية (إن لم تكن هذه الأرض معطاءة ومُنتجة وغنية لما بقى فيها ما يسدُ رمق الطير بالنظر إلى ما تعرَّضت له من نهب وسلب وإهدار) ، فعلاً لأول مرة وبعد هذه النظره العفوية للتفاصيل التي نخوض فيها حول الأرض والوطن والسياسة والإقتصاد تأكد لي أن الحقيقة المحضة تشير إلى أن هذه البلاد وبالرغم مما تعاني من عثرات وتكاسل وتخلُّف إنتاجي ، فيها من الخير الوفير ما يجعل لقمة العيش في آخر الأمر (متوفِّرة) بالرغم من صعوبة منالها بالنسبة لعامة الناس وبسطائهم ورغم ما يتعرَّض له الناتج الوطني الإجمالي من تخريب بسبب النهب المباشر والفساد المُستتر ، بالإضافة إلى سوء إدارة الموارد ، وتخلُّف التوجهات والإستراتيجيات التنموية (إن وجدت أصلاً) عن التعبير المتوازن والمتناسق عن إمكانيات البلاد وثرواتها الطبيعية المُتعدِّدة ، طبعاً لا يمكن الخوض في أمر الموارد المنهوبة والثروات المُهملة والمُهدره بسوء الإدارة دون التطرق للأسباب التي دائماً ما تتجلى إختصاراً في جنوح الحكومات الشمولية ومن بينها حكومتنا الحالية إلى تقديم مصالح النظام السياسي على المصلحة الجماعية ، وفي هذا إقرار ضمني بأن أمر التداخل ما بين ما هو مؤسسي وتابع للدولة وما هو حزبي أو مصلحي فيه من التداخل ما لا يمكن معالجته إلا بالعودة إلى نظام ديموقراطي حقيقي يفرض سيادة الدستور والقانون ويُعلن مؤسسية الدولة من جديد ، تخيَّلوا أيَّاً من دول الجوار الإقليمي ودون تحديد دولة بعينها على المستويين العربي والأفريقي لو تعرَّضت إحداها لهذا (النهم) العجيب والغريب في الإستيلاء على الحقوق العامة بما فيها أموال الدولة وإستغلال مؤسساتها ومشاريعها ومُقدَّراتها ، أو لو تفشت فيها نظرية عدم المحاسبة وعفا الله عن ما سلف لكل مسئول يفشل في أداء واجباته أو يعمل على إهدار الطاقات والثروات والإمكانيات والفرص المُتاحة ، هل إن حدث ذلك في واحدة من تلك الدول لمدة عام ستكون قادرة على الصمود والتغاضي عن رفع راية المجاعة والعوز عالمياً وطلب المعونات والمساعدة ، لا أعتقد أن هناك دولة كالسودان وأرضه قادرة على (تجديد) الولاء والعطاء والبذل للخيرات والثروات عاماً بعد عام بلا نضوب ولا زوال ، بالرغم من ما يجري من نهب وتعدي وإهدار بسبب الفشل الإداري والتخطيطي وتخلُف القانون واللوائح عن اللحاق بمسيرة الفساد الهادرة ، أقول هذا الكلام للواقفين على حائط اليأس والقنوط ، أن هذه الأرض تستحق النضال والعزم والمثابرة حتى تتحرَّر من قبضة الفساد والفشل والتشرزم .