سعدية ست الشاي: كفاح امرأة سودانية في وجه العواصف
سعدية ست الشاي: كفاح امرأة سودانية في وجه العواصف
الخرطوم: سوداني بوست
في زاوية شارع مزدحم بأحد أحياء الخرطوم، كانت سعدية تجلس تحت مظلتها الصغيرة، تغلي الماء في برادها النحاسي، وتسكب الشاي في الأكواب بحركات اعتادت عليها منذ سنوات. كانت تُعرف بين زبائنها باسم “ست الشاي”، امرأة كادحة لا تعرف التعب، تبتسم رغم قسوة الحياة، وتواصل عملها لتُعيل أبناءها الأربعة بعد أن فقدت زوجها في الحرب.
كوب الشاي وسعر السكر
كل صباح، كانت سعدية تستيقظ قبل الفجر، تحمل أدواتها البسيطة، وتجلس في مكانها المعتاد. لكن كل يوم كان يشبه معركة جديدة، فالسكر يرتفع سعره، والشاي أصبح غاليًا، والزبائن يشتكون من غلاء الأسعار، لكنها لا تستطيع رفع قيمة كوب الشاي كثيرًا، فزبائنها من العمال والبسطاء، مثلها تمامًا.
الحرب تسرق الأمان
عندما اندلعت الحرب، تغير كل شيء. أُغلقت المحلات، تراجعت حركة الناس، وازدادت المضايقات من بعض الجهات التي كانت تطلب منها رسومًا غير قانونية مقابل السماح لها بالعمل. كانت سعدية تقاوم بصمت، تعرف أن التوقف عن العمل يعني الجوع لها ولأبنائها، فاستمرت رغم الخوف، رغم القلق، رغم كل شيء.
اضطهاد النساء الكادحات
لم يكن عملها سهلًا. كان عليها أن تواجه نظرات المجتمع، واتهامات البعض بأن “ستات الشاي” يملأن الشوارع بلا فائدة. لكن سعدية كانت تعرف قيمة عملها، كانت تعلم أنها تقدم شيئًا ضروريًا للعاملين والسائقين والطلاب الذين يبدأون يومهم معها. لم تكن مجرد بائعة شاي، كانت أمًا، ومعيلة، ومحاربة في معركة الحياة اليومية.
الأمل في كوب شاي
رغم كل الصعوبات، لم تفقد سعدية الأمل. كانت تحلم بأن يكبر أبناؤها، يدرسون، ويحصلون على وظائف تقيهم ما مرت به. كانت تقول لنفسها كل صباح وهي تسكب الشاي لزبونها الأول: طالما أن الشاي ما زال ساخنًا، فهناك أمل.
كانت الحياة في السودان قاسية على العمال والكادحين، لكن سعدية، مثل كثيرين، لم تختر الاستسلام. كان لديها إبريق شاي، وقلب مليء بالعزيمة، وإيمان بأن الغد، مهما تأخر، سيحمل معه فرجًا ما.