حقيقية دعم الوقود (2)
حقيقية دعم الوقود (2)
بقلم: د. سبنا إمام
في الوقت الذي ظلت فيه حكومة البشير تدعي لسنوات دعمها للوقود وان عطفها على مواطنيها هو سبب العلة في الاقتصاد وفي الوقت الذي باتت هذة الحكومة ايضا تستخدم ذات الادعاء لكي تغطي عجز ميزانيتها المثقلة بالصرف الحكومي وترضيات المليشيات وهي ذات اوجه الصرف في حكومة البشير، نجد ان الواقع يكذب هذا الادعاء فمنذ انفصال جنوب السودان في العام 2011 بدأ الرفع التدريجي لدعم الوقود عبر قرارات اصدرتها الحكومة السابقة كالآتي:
اولا قرار رقم (47) للعام 2011 والقاضي بزيادة 2جنيه على كل جالون بنزين و2جنيه على كل جالون جازولين . زيادة 1.85جنيه على سعر جالون غاز الطائرات وجنيه واحد على سعر اسطوانة غاز الطبخ (12كيلو) .
ثانيا قرار رقم (55) للعام 2012 والذي قضى بتحصيل فروقات المحروقات المنتجة محلبا والمستوردة على النحو التالي، 33قرشا على كل لتر الجازولين ليصبح السعر 1.78جنيه و 88قرشا على كل لتر بنزين ليصبح سعره 2.78جنيه. هذا فضلا عن التحرير الكامل لسعر غاز الطائرات ليباع بالسعر العالمي وزيادة 15جنيه على سعر اسطوانة غاز الطبخ.
ثالثا قرار رقم (43) للعام 2013 والقاضي بزيادة 1.33 جنيه على سعر لتر الجازولين ليصبح 3.11 جنيه و1.89جنيه على لتر البنزين ليصبح سعره 4.67جنيه. كما قضى القرار بزيادة قدرها 10جنيهات على سعر اسطوانة غاز الطبخ ليصبح سعرها 52جنيها .
وعليه فقد انخفض دعم المحروقات خلال هذة الاعوام على النحو التالي 2011 اجمالي دعم المحروقات 23مليار جنيه2012 انخفض اجمالي الدعم ل20مليار جنيه ثم انخفض اجمالي الدعم الحكومي للمحروقات لمستوى 16مليار جنيه في العام 2013ولمستوى 12مليار جنيه في العام 2014.
للأسف هذا حد ما امتلكه من معلومات ولم اتمكن من الحصول على updated data ولكن ما يمكن البناء عليه من المعلومات المذكورة آنفا ان قرار رفع الدعم عن الوقود لم تتخذه الحكومة الانتقالية ولم يتأخر كما تدعي بل هو إجراء قامت به حكومة البشير بمجرد انفصال جنوب السودان وكان ذلط ايضا نزولا عند توصية صندوق النقد الدولي.
ولذلك نقول بأن البنك والصندوق كانوا دائما موجودين في السودان وهم من يشكلون المشهد الاقتصادي في السودان منذ سبعينيات القرن الماضي وان اغلب المحافظين ووزراء المالية حتى في عهد الانقاذ هم من ابناء البنك والصندوق وقد يكون جبريل وزير المالية الوحيد الذي اتى من خارج هذة المؤسسات.
ولكن مهلا جبريل إسلامي والاسلاميون في فكرهم (الاقتصاد الاسلامي)يتفقون تماما مع النظرية الرأسمالية ولذلك سيطر البنك والصندوق على الاقتصاد السوداني بعد المصالحة الوطنية والتي خرجت بعدها كل الاحزاب وظلت الجبهة بقيادة الترابي وبدأ تمكن الإخوان من الاقتصاد وتأسس بنك فيصل الاسلامي .
ثم بلغ النظام الرأسمالي ذروته في السودان بالخصخصة في عشرية الانقاذ الاولى وهي الجزء الاقتصادي من سياسة التمكين حيث تخلت الدولة عن كل انشطتها ومؤسساتها لتحل محلها الرأسماليةالاسلامية التي مازالت متمكنه من الاقتصاد حتى اللحظة. وعليه فجبريل يتفق تماما مع المؤسستين فكريا وان لم يعمل بأي منهما.
لذلك فسياسات الحكومة الاقتصادية هي امتداد لسياسات النظام السابق والتي هي بدورها روشتة صندوق النقد. ولذلك لا يمكنهم الادعاء بأن البنك والصندوق كانا مقاطعين للنظام السابق. بل ان النظام السابق كان في الواقع افضل من طبق سياسات المؤسستين عبر تاريخ السودان ولذلك نحن فيما نحن فيه الآن.
النقطة الثانية المستفادة هي تأكيد ما ذهبنا اليه في مقالنا السابق وهو ان سياسة رفع الدعم ليست عملية اصلاحية تدهدف لإزالة التشوهات في سوق المحروقات و بالتالي ترشد الاستهلاك وتعيد توزيع الدخل وتقلل من التهريب وانما هي عملية مرتبطة بتقلبات سعر الصرف الذي يخلق عجزا مستمرا في موازنة الدولة ذات الجهاز السيادي المترهل والصرف غير الرشيد مما يدفعها للتذرع بالإصلاح الاقتصادي في كل مرة لتحرر المحرر وترفع الدعم عن ذات السلعة مئات المرات وستقوم قريبا بتعويم الجنيه المعوم اصلا .
وذلك لتحميل المواطن في كل مرة فاتورة فشل سياساتها الاقتصادية في تحقيق الاستقرار الاقتصادي الكلي بمعنى ثبات سعر الصرف وانخفاض معدلات التضخم وتقلص العجز في الميزان التجاري وتقلص عجز الميزانية.
ان ما تقوم به الحكومة هو معالجات للتقلبات الاقتصادية في المدى القصير وتحمل المواطن تماما تكلفة هذة المعالجات. الا ان هذة المعالجات للأسف لا يمتد اثرها ابدا للمدى الطويل كما تعد روشتة الصندوق فهي لا تمنح الاقتصاد استقرارا طويل المدى في كل المؤشرات الكلية ولذلك لا تحقق نموا مستداما.
ولذلك يمكن القول ان هذة السياسات معيبة وغير مجدية وقد ادت عبر تراكم السنوات الى حالة ركود كامل في الاقتصاد نتيجة للاضعاف المستمر للطلب الكلي نتيجة لاستهدافها المستمر لجانب الطلب واغفال السياسات المحفزة لجانب العرض(الإنتاج) بدعوى ضرورة انتظار ان يتراكم رأس المال عبر القروض والمنح وتدفق رؤوس الاموال الاجنبية وهو ما لن يحدث ابدا بمعطيات الواقع الاقتصادي والسياسي الحالي في البلاد.
لا يمك ان تسقط نظاما وتستمر بذات السياسات سيكون ذلك مجرد تغيير اشخاص ولكن حتما النظام مايزال موجودا ويعمل بذات الآلية التي تخدم ذات المجموعات التي لطالما انتفعت منه طوال ثلاثين عاما وليس سيد البرادو المفترى عليه. والذي كل ذنبه انه بدور العربية من امدرمان عشان يشرب الشاي في شارع النيل على الرغم مم انه كدة بيشكل طلب فعال لستات الشاي الفاتحات بيوت كثيرة.
ان الخروج من الدائرة الشيطانية الحالية يبدأ بالاتيان برئيس وزراء ووزير مالية ومحافظ من خارج هذة المؤسسات الدولية لا ليقاطعها ولكن ليفاوضها ويصانعها برؤية قوية واصيلة تكفل الخروج من هذه الدائرة الشيطانية كما قال وزير مالية اليونان في فيلم (adults in the room) والذي ارخ صراع رئيس الوزراء ووزير ماليته للتوفيق بين مذكرة الإصلاحات المفروضة من الاتحاد الاوروبي والتي حوت شروطا قاسية وبين الايفاء بوعودهما الانتخابية بتخفيف الضائقة على الشعب اليوناني ابان ازمة ديون اليونان للاتحاد الاوروبي.