آخر الأخبار
The news is by your side.

حزب الامة القومي ،،، إصلاحات على نار هادئة

حزب الامة القومي ،،، إصلاحات على نار هادئة

قراءة:الفاتح داؤد

بلاشك فإن فاجعة رحيل الإمام الصادق المهدي زعيم حزب الأمة القومي،قد مثلت زلزلا سياسيا عنيفا تجاوزت ارتدادته السالبة ،الفضاء الداخلى لمؤسسات وأجهزة حزب الامة، الي التأثير في مجمل الاوضاع السياسية بالبلاد، إذ ظل الامام الصادق المهدي يجسد وبامتياز ، دور الزعيم و الحكيم و الملهم والقائد السياسي المحنك، لما ظل يتمتع به من حضور باهر ،وكاريزما سياسية طاغية،امتدت ذهاء ست عقود من التأثير المباشر في المشهد السياسي السوداني.

وبعد ان طوي حزب الأمة القومي حقبة الامام الصادق بكل مرارتها واحزانها،و معاركها وملاحمها، وانتصاراتها وانكسارتها. بدأت حالة من القلق والتوجس تساور طيفا واسعا من قواعد وقيادات الحزب العريق حول مرحلة مابعد الامام ، بعد الاداء الباهت الذي طبعت نشاط الحزب منذ الرحيل، وقد كشفت يوميات وتقلبات المرحلة الانتقالية، أن ثمة قصور في أداء المؤسسات السياسية والاجهزة التنظيمية للامة ،لا يتناسب مع الثقل التاريخي و السياسي للحزب المخضرم ،في مرحلة تشهد فيها الاوضاع السياسية بالبلاد تحولات متسارعة ،سوف تفضي الي تغييرات جذرية في المعادلة السياسية الراهنة.

من المرحج س تتجاوز التحالفات القائمة الي بناء تحالفات جديدة ، يبدو هذا التصور ،اكثر وضوحا في سلسلة التصدعات الداخلية التي ضربت تحالف قوي الثورة ، الحاضنة السياسية للحكومة الانتقالية ، الذي فشل في إدارة تبايناته السياسية منذ وقت مبكر، مما دفع اجهزة حزب الأمة القومي في مرحلة ما الي الاعلان عن تجميد نشاطها بالتحالف احتجاجا علي طريقة آلية اتخاذ القرار،ورفضا لسيادة التكويش ،واحتكار مفاصل السلطة بواسطة مجموعات سياسية صغيرة ،وقد مضي في ذات المسار تجمع المهنيين( جناح اليسار )، الذي اعلان فض الشراكة مع الحكومة، بل وذهب بعيدا إلي التحالف مع حركة الحلو ،بعد أن منفردا علي اعلان سياسي ،اثار كثير من الجدل في الأوساط السياسية.

وبعد دخول اتفاق جوبا الموقع بين الحكومة الانتقالية والجبهة الثورية،التي تمثل احد مكونات نداء السودان، توقع الجميع أن يعيد الأمة القومي قراءة المشهد جيدا، وان يحدد الخطوة التالية بذكاء،حين يختار اصطفافه الجديد ، بعيدا عن الانا والتمحور حول الذات، في حزب لازال طيفا واسعا من قياداته أسيرا لاحداث التاريخ ومزدهيا بالماضي، رغم أن مياها كثيرة قد عبرت تحت الجسر ،فقد كشفت الاحداث التي صاحبت عملية اختيار الولاة المدنيين التي جاءت، قرار مؤسسات الحزب تغليب خيار المشاركة, في مؤسسات السلطة الانتقالية.

أن الأوضاع التنظيمية داخل الحزب ليست علي مايرام ،خاصة بعد ان شق عدد من الولاة ( المنتسبون للحزب) عصا الطاعة ،حين ابدت مؤسسات الحزب حول ( التحفظات) حول ترشيحهم ،وقد رفضوا الامتثال لقرار الاجهزة ،وتوجيهات القيادة حين طلبت منهم الاعتذار عن التكليف،وقد مثل الحدث سابقة خطيرة لم تعهدها الممارسة في حزب الامة، حيث كشفت عن المسكوت عنه في الأروقة الداخلية للحزب، وكما اعلنت تفاصيل الحدث ،أن جيلا جديدا قد ولد ،وهو بلاشك يحمل جينات سياسية مختلفة عن الأجيال السابقة .كما فتح الحدث الباب واسعا للنقاش، حول مدي وحدود المشاركة السياسية في صناعة القرارات الكبري في الحزب ،ومدي موائمتها للمعايير الديمقراطية والشفافية في ادارة الحزب .

وهل أراد حزب الامة وشركاءه من قرار المشاركة الأخيرة ،التي امنت له السيطرة علي عدد من الحقائب الوزارية ،استعادة زمام المبادرة السياسية التي افتقدها سابقا،وبالتالي البحث عن لعب دور جديد يتناسب مع وزنه السياسي وثقله التاريخي ،كما أراد الحزب استغلال سانحة المشاركة في اختبار قياداته التنفيذية، وبناء تحالفاته المستقبلية، استعدادا للاستحقاق الانتخابي القادم.

خاصة وأن معظم القوي التي شكلت النسخة الجديدة من حكومة حمدوك، تنتمي معظم أطرافها الي ( تحالف نداء السودان) ووفقا لهذه الخطوات يبدو أن قيادة حزب الامة قد استدركت بعد ( تقييم) شامل للوضع السياسي، أن ثمة ضرورة تقتضي تصحيح اخطاء استراتجية فادحة ارتكبتها القيادة السابقة .

حينما قررت مؤسسات الحزب رفض المشاركة في النسخة الأولى من حكومة الثورة ،التزاما بما جاء في الوثيقة الدستورية ،رغم أن السياسة لاتبني علي النوايا الطيبة،فقد نصت الوثيقة علي ادارة الفترة الانتقالية بكفاءت وطنية مستقلة، رغم ان القرار قد اتخذ بتوافق وسط مكونات التحالف ،الا ان بعض التيارات السياسية قد التفت علي فحوي القرار، وافرغته من مضامينه ودفعت بكوادرها ومنسوبيها، نحو سباق السيطرة على مفاصل السلطة الوليدة وفق محاصصات صارخة، وهو لم ينتبه إليه حزب الأمة إلا لاحقا ولكن بعد فوات الاوان، بعد ان أدرك ان هنالك جملة من القرارات المفصلية قد اتخذت في غيابه عن مراكز صناعة القرار، وان تمكينا صارخا قد جري لكوادر احزاب الاقلية السياسية ،التي نحجت بدهاء في تمريراجندتها السياسية في إدارة الدولة ،فضلا عن احتكارها الكامل للفضاء السياسي والإعلامي، مقابل ظهور سياسي واعلامي خافت وباهت للأمة القومي، ولعل هذه المواقف السياسي المترددة، قد وضعت قيادة حزب الامة القومي في حرج سياسي بالغ امام قواعدها ،التي لم تخفي استياءها وامتعاطها من اداء القيادة.

ما دفع الحزب لاحقا الي التحرك لاحتواء الموقف،حيث اطلق حملة سياسية واعلاميه استعراضية الطابع لاختبار قوته، طافت خلالها قيادات الصف الاول عدد من ولايات البلاد ذات الثقل التاريخي للحزب ،وكما أراد الحزب مغازلة قواعده و استعرض جماهيرته، وتصحيح صورته التي اهتزت ،فضلا عن وضع عدد من الرسائل السياسية في بريد من يهمهم الامر .

ولعل أبرز رسائلها السياسية كانت التذكير بالمرتكزات السياسية لخطاب حزب الامة القومي، ممثلة في قضايا الديمقراطية، وبناء السلام، وانجاز العدالة الانتقالية ، ومعالجة اختلالات الاقتصاد ، والتنمية المستدامة ،وتوازن العلاقات الخارجية وغيرها من الملفات ،ولكن في غمرة احتفاء قيادات الحزب ، بالحشود التي تداعت لاستقبالهم لم ينتبه القادة أن حزبهم، يعاني من مشاكل بنيوية لاتخطئها العين، في عمقه التنظيمي تحتاج الي قدر من المكاشفة والشفافية والصراحة والوضوح ، يمكن ايجازها في سيطرة الأفكار الخشبية علي عقلية الكادر السياسي للحزب ، واعتماد القيادة السياسية علي آليات تنظيمية قادمة من القرن الماضي في ادارة الحزب. 

فضلا عن شيخوخة القيادات السياسية التي تحنط بعضها من كثرة البقاء في مواقع القيادة، ويبدو هذا واضحا بصورة صارخة على مستوى الولايات التي لازالت عناصر (الحرس القديم)، تسيطر عليها، بصورة مطلقة على مستوي التنظيم ودوائر صناعة القرار، رغم عجزها الفاضح في التواصل مع الاجيال الشابة، التي تبدو اكثر وعيا وفهما ونضجا ومرونة و انفتاحا علي التجارب السياسية والانسانية ، بيد أنها لاتستطيع الوصول إل منصات القيادة ،لاعتبارات سياسية ونفسية علي صلة، بالتقاليد التنظيمية التي تحكم عملية الصعود السياسي ،رغم وجود قيادات وسيطة على درجة عالية من التأهيل والكفاءة ،لكن تعذر عليها الصعود، بسبب التقاليد التي لازالت تسيطر علي السلوك السياسي للقدامي الذي يقف حائلا امام طموحات القادميين.

ورغم الحديث المتداول عن شروع الحزب في إجراء مراجعات حول قضايا المستقبل ، لبناء كيان سياسي مدني خدمي منفتح ،وقادر علي استيعاب كل المؤمنين بالوسطية، الا ان خطاب السياسي للحزب ، لم يرتقي بعد الي مطلوبات المرحلة، اذ لازال يفتقر الي المضامين السياسية والفكرية الجاذبة للأجيال الشابة ،كما لم يتحدث بعد بلسان مبين حول تواصل الأجيال وهواجس الشباب في الانضمام الي حزب الأمة ، الذي برايهم لازال أسيرا للتاربخ ،ولم يحقق طفرات نوعية في الطرح و التجديد والتنظيم و القيادة،كما لم يجيب علي السؤال حول معايير الانتماء والولاء ،ومستقبل الارتباط السياسي بين آل المهدي ومؤسسات الحزب، الذي ظل تاريخيا يعتمد علي ابناء الهامش السوداني العريض ،ولعل هذه النقطة تمثل بكل أسف المسكوت عنه في مسيرة حزب الامة ،وهو معني بالإجابة عليه اكثر من غيره ، لان الإفصاح عنه يعني بالضرورة إزالة كافة أسباب التهميش السياسي والاجتماعي داخل حزب الامة.

حتي يتمكن من تقديم المثال الراشد ،باعتباره الأكبر نفوذا والاكثر تأثيرا ، وحتي يتحول الي كيان جاذب كل ماعليه فعله هو إجراء مراجعات حقيقية لإعادة ترتبب اوضاعه التنظيمية، واستيعاب الدروس والعبر .، وبالطبع فإن حزبا في قامة الأمة القومي، لن يعدم الكفاءت والعقول التي بوسعها تقديم ارقي أنواع الطرح السياسي و الفكري الذي يحقيق تطلعات الشعب.

Loading

شارك على
أكتب تعليقك هنا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.