آخر الأخبار
The news is by your side.

حديث المدينة بقلم: عثمان ميرغني

إلى الشيخ عبد الحي.. وآخرين..!!

استمعت في الوسائط الحديثة لخطبة الشيخ الدكتور عبد الحي يوسف في منبر الجمعة الماضية.. شَنّ هجوماً كاسحاً على الشابة “وئام شوقي” التي أثارت ضجة إعلامية من مداخلة لم تستغرق بضع ثوانٍ في برنامج تلفزيوني حول المرأة السودانية.

والله لا أعلم هل يدرك السادة الشيوخ الأفاضل حقيقة ما يفعلونه من مثل هذه المواقف التي تُصوِّر الدين وكأنّه عصا تبحث عن رأس تخبطه، السيرة الطويلة للرسول الأعظم محمد صلى الله عليه وسلم تحتشد بالنموذج والمثال الساطع في الحوار بالحُسنى مهما كانت لغة الآخر ومسلكه.. فمن أين أتى هؤلاء بكل هذه الكراهية المجانية التي تُراق على حواف أيِّ جدال فكري.

القرآن الكريم يرسم الصورة المثالية للمُجتمع الذي يحتمل الرأي والرأي الآخر بكل أريحية فيقول: (ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ، وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ. إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ،وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) 125 سورة النحل.

لم يجعل الله سلطة لأحد في هداية الناس أو نواياهم أو ما أخفت صدورهم.. فيدهشني للغاية أن يتحوّل أيِّ حوارٍ فيه رأي آخر إلى صحيفة اتهام شخصي للنوايا والمقاصد.

مِن حَق أيِّ إنسانٍ أن يُفكِّر بمُنتهى الحرية، والذي يجهر برأيه لا يجب أن يُقابل إلا بالحجة والمجادلة الحسنة، ولكن استغلال منابر المساجد في إثارة الكراهية والترهيب لا يفسد الوئام الاجتماعي فحسب، بل يُهدِّد قوام الدولة كلها أن تتحوّل إلى مجتمع كراهية يلعن بعضه بعضاً ويفقد التسامح والتوادد، بل وقد يُثير الحروب والاعتراك المفضي لفشل الدولة كلها.

من الحكمة أن يدرك الشيوخ، خاصّةً أصحاب المنابر المطروقة شعبياً أنّهم ينسفون جوهر الإسلام بتحويل صورته الذهنية عند العامة إلى أداة قمعٍ وكبتٍ للرأي، فإحسان الظن بالآخر من الإيمان، والإسلام حض على حرية الضمير والرأي بلا حدود، طالما الأمر محصور في التعبير السلمي بعيداً عن إشهار العنف (لا إكراه في الدين..) وليس من حق بشر أن يفتش قلوب الآخرين مهما كانت القرائن في نظره بائنة، فالرسول المصطفى صلى الله عليه وسلم عاتب حبه أسامة بن زيد (أفلا شققت عن قلبه).. رغم أن حجة أسامة أن المقتول ما نطق بكلمة الإسلام إلا بعد أن رأي السيف فوق رأسه.. والنصوص كثيرة للغاية، لكني أعجب أن لا يراها الشيوخ الذين يرفعون من فوق المنابر نداء الكراهية والتحريض والدعوة للعنف لمُجرّد اتهام النِّيَّات التي في القلوب.

هي دعوة صادقة للذين فُتحت لهم منابر الخطابة خَاصّةً في الجمعة، أن يستلهموا كلمة (جامع)، المكان الذين يخطبون فيه.. فهو إشارةٌ لجمع الناس لا تفريقهم بحملات الكراهية والدعوة للعُنف الفكري والاجتماعي.
(ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك..). بالله عليكم تَجَمّلُوا بالرأفة وحُسن الظن وطلاقة الصدر.

Loading

شارك على
أكتب تعليقك هنا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.