آخر الأخبار
The news is by your side.

حديث المدينة … بقلم: عثمان ميرغني

الصلاة.. (برعاية الوالي)!!

نهاية الأسبوع الماضي تَناقلت الوسائط خبراً عجيباً، يشبه عجائب الدنيا السبع التي نعيشها هذه الأيام.. السيد آدم جماع والي ولاية كسلا في زيارة تفقدية لمبنى مدرسة تحت التشييد بمدينة كسلا، تَصَادَفَ أنّها على مَرْمَى حَجرٍ من مدرسةٍ أُخرى.. تلميذ مشاغب هَتَفَ (الكنكنشة) إشارة للحمى الغامضة التي عانت منها المدينة لعدة أسابيع.. وحتى هنا فالأمر عاديٌّ جداً.

لكن المُفاجأة كَانَت في المَسار المُثير الذي جرت عليه الأمور.. في الحال بدأت حملة “الدفتردار الانتقامية”، استدعاء عاجل لمدير المدرسة، يجب كشف هوية التلميذ المُشاغب.. والتلاميذ الصغار استغشوا على فعلتهم ثياب الستر المُتوافق عليه بينهم.. فصدر قرار التأديب الجماعي.. إغلاق الفصل كله.. وحرمانهم من الدراسة جزاءً وفاقاً لقلة أدبهم مع حاكم الولاية.

اشتعل الموقف سريعاً، يبدو أنّ المُعلِّمين الذي هالهم رد الفعل كانوا على استعدادٍ لمزيدٍ من التصعيد، خَاصّةً أنّ “طرف السوط” طالهم بوصفهم فَرّطوا في تربية التلاميذ.

عَلى كُلِّ حَالٍ، يبدو أنّ صوتاً عاقلاً نَصَحَ المسؤولين أن ينسحبوا من ميدان مَعركةٍ خاسرةٍ سَتضيف إلى المدينة المَغبونة بالمرض ظُلماً وإهانة نكراء.

عندما قَرأت وقائع هذا الحَدَث العَجِيب تَذكّرت واقعة أُخرى تَختلف فَقط في مِقدار السُّوء.. والي ولاية غربية خلال مُرُور مَوكبه في السُّوق، هَتَفَ رجلٌ باسم الوالي.. رَبّما ظنّ الوالي أنّها إشارة تَرحيب فَنَظَرَ في اتجاه الصوت، فكانت المُفاجأة الكُبرى.. بصق الرجل على الأرض.. تَعبيراً سياسيّاً سافراً عن رأيه في كل شئٍ.. أكمل الوالي جولته ثُمّ عاد ليكمل مَعركته.. ألقى القبض على مواطن مغلوب يُعاني من بعض المتاعب النفسية.. فنُقل إلى السجن.. ورغم مُرور أكثر من شهرٍ على هذه الواقعة لا أعلم هل لا يزال الرجل خلف القضبان..؟!

رَوَى لي إمام مسجد، أنّه بعض صلاة المغرب اقترب منه شَابٌ وهَمَسَ في أُذنه أنّ السيد الوالي مَوجودٌ الآن مع المُصلين.. الإمام قال لي إنّه ظَنّ أنّ الوالي يريد الحديث للمُصلين، فأعلن ذلك عبر المايكروفون، وكأنه يقدمه لهم.. لكن المُفاجأة كانت أنّ الوالي أشار بيده علامة أنه فقط يُريد المُصلين أن يدركوا أنّ صلاة المغرب اليوم كانت (برعاية الوالي شخصياً).. لا أكثر..

هذه النماذج المُختصرة تُبرهن على عقيدة العمل العام في بلدنا (المَكْتُول كَمَد).. ففي واقعة كسلا، ربما الوالي لو أتاه هذا التلميذ في بيته لخدمه حافياً، حالة كونه رجلاً عادياً، لكن ما أن تتلبّسه روح (الوالي) حتى يَتَحَوّل إلى مخلوقٍ آخر.. لا يَستطيع أن يرى في التّلميذ ابنه.. بل عدواً واجب السحق بأعتى ما تيسّر..

وكذلك الحال في قصة الوالي الثاني.. في حالة كونه (والياً) يخوض معركة من أجل “بصقة” عابر سبيل..

أما النموذج الأخير.. فما أفجع إحساس الوالي أنّه دَخَلَ المسجد وصلى ولم يتعرّف عليه أحدٌ..!!

تصحيح عقيدة المنصب العام.. هو الخطوة الأولى في إصلاح الخدمة العامة.

Loading

شارك على
أكتب تعليقك هنا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.