تغيير المناهج أم إصلاح التعليم ؟! نحو مؤتمر قومي للتعليم والتقنية
تغيير المناهج أم إصلاح التعليم ؟! نحو مؤتمر قومي للتعليم والتقنية
بقلم: عادل عبدالعاطي
من المؤسف حقاً ومما يدلل على ضحالة العقل السياسي السوداني أن نشهد احتراباً عقائدياً على قضية المناهج التعليمية وشخصنة القضايا القومية في ظل اهمال لبناء مؤسسات الدولة الحقيقية وتجاهل لقضايا الوطن والمواطن الملحة وفي أولها قضايا السلام والاقتصاد.
أن ربط الإصلاح التعليمي بقضية تغيير المناهج فقط لا يعدو أن يكون حرثاً في البحر ، حيث يعاني التعليم من ازمات خطيرة اولها انعدام بنيته الأساسية من مدارس وصعوبة الوصول إليها للغالبية من أطفال السودان ووجود اعداد كبيرة منهم خارج التعليم بل ارتداد اعداد منهم الأمية الأبجدية بعد خروجهم المبكر من المدارس .
كما يعاني المعلم وهو أهم أعمدة العملية التعليمية من وضع اقتصادي واجتماعي مزري ولا يكفيه مرتبه معيشة اسبوع ، فكيف نتوقع نهضة في التعليم والنظام القائم لا يضع ترفيع وإصلاح وضع المعلمين في اولى اهتماماته وأهم أولوياته؟!
كما يعاني التلميذ والطالب نفسه من عدم توفر الاحتياجات التعليمية البسيطة له ، وكون مجانية التعليم قد أصبحت خرافة واسطورة. فأغلب التلاميذ والطلاب، خصوصا في الريف، يعانون في الوصول إلى المدارس ( الترحيل) وفي امتلاك الملابس الجيدة والأدوات المدرسية الخ . كما من اللازم الاهتمام بوضع التلاميذ والطلبة الغذائي ( توفير وجبة ساخنة بالمدارس) ووضعهم الصحي ( توفير التطعيم واللقاحات والاسعافات الأولية وممرض بكل مدرسة ) ، فضلا عن العناية الاجتماعية والنفسية بهم ( عن طريق وجود خبير اجتماعي بكل مدرسة يساعد في حل مشاكل التلاميذ والطلبة النفسية والاجتماعية).
أن إصلاح أو تغيير المناهج هي الخطوة الرابعة بلا شك بعد إصلاح البنى التحتية وإصلاح وضع المعلم و إصلاح وضع التلاميذ والطلبة، ولكنها لا يمكن أن تتم تحت صراعات عقائدية وبربطها بشخص، بل يجب أن تتم عبر عمل لجان متعددة يشارك فيها تربويون وعلماء نفس وعلماء اقتصاد وخبراء تنمية وعلماء اجتماع الخ ، مع مشاركة منظمات المجتمع المدني العاملة في مجال التعليم والخبراء الأجانب من الدول التي حققت نهضة في تعليمها ، وهو أمر لا يمكن أن ينجز الا بتنظيم مؤتمر قومي لإصلاح التعليم يناقش المشاكل و يضع الحلول لكل قضايا التعليم ومن بينها إصلاح أو تغيير المناهج.
ويرتبط إصلاح التعليم بصياغة نظام دستوري وقانوني واداري متكامل في البلاد ، ففلسفة التعليم تنبع من موجهات الدستور وقيمه الحاكمة ، وفي حالة عدم إجازة دستور دائم وقوانين تخضع له يكون إصلاح اي مناهج كتابة على الرمل، حيث يمكن نقضها بسهولة لمخالفتها الدستور. كما يجب مراعاة التقسيم الاداري للبلاد وتنوعها في الحسبان في وضع خطط التعليم وإصلاحه بحيث تؤدي نتائجها المرغوبة ولا تصبح مادة للحرابات العقائدية والصراعات السباسية غير المجدية.
كما أن إصلاح التعليم مرتبط بالخطط الاقتصادية والتنموية والتغييرات التقنية في العالم ، فقد انتهى عهد التعليم النظري غير المرتبط بواقع الحياة. من هذا المنطلق لا بد أن تملك الدولة رؤية تنموية تنعكس في مناهج وأدوات التعليم. في هذا المجال ظللنا ندعو لإعادة وتطوير التعليم الفني كرافعة مهمة لاي نمو اقتصادي قادم، وخصوصا في المجالات الصناعية والحرفية والزراعية. أن إهمال هذه القضايا ونحن نتحدث عن قضايا التعليم إنما يعبر عن ضحالة الطرح و بؤسه من طرف الحكومة الحالية ومن طرف خصومها الاسلامويين.
لذلك دعونا وندعو لقيام مؤتمر قومي للتعليم والتقنية (وكذلك مؤتمر دستوري ومؤتمر اقتصادي و مؤتمر للسلام الاهلي الخ ) ، لمعالجة الإشكاليات سابقة الذكر. إننا نرفض تماماً الحلول الملفقة وشخصنة القضايا العامة ومنهج فرض الأمر الواقع والدوافع الايدلوجية والسياسية في معالجة قضايا التعليم سواء أتت من طرف الحكومة القائمة أو من طرف الاسلامويين.